0
http://crimedz.blogspot.com/

تمهيد:

إن ظاهرة العنف لها أبعاد إجتماعية، نفسية، ثقافية، تربوية و اقتصادية عرفتها مختلف المجتمعات البشرية منتهجة أسلوب القوة في اظهار مكانتها، و لكن مع مرور الزمن أصبح يتخذ العنف شكلا آخر عن طريق توجيهه الى أبناء المجتمع في حد ذاته، و داخل أطره نتيجة وجود عدة عوامل مبرزا مختلف المظاهر و الأشكال ذي الطابع الاتحرافي، حيث خلف هذا السلوك أثار مست كيان الأفراد و المجتمع على حد سواء في جميع أنواعها الاقتصادية والسياسية......الخ، و هذا ما دفع بكثير من الباحثين و العلماء للاهتمام بهذا الموضوع.

تعريف العنف:

العنف لغة وفلسفبا مضاد للرفق، و مرادف للشدة و القسوة، و العنيف هو المتصف بالعنف، فكل فعل شديد يخلف طبيعة الشيئ و يكون مفروضا عليه من الخارج فهو بمعنى ما فعل عنيف(1).
أما في القاموس الفرنسي المعاصر ( robert ) يعرف:
01/ التأثير على الفرد أو إرغامه على العمل دون إرادته، و ذلك باستعمال القوة أو اللجوء الى التهديد.
02/ العنف هو الفعل أو العمل الذي من خلاله يمارس العنف.
03/ هو القوة القاهرة للأشياء.
04/ استعداد طبيعي للتعبير عن العنف ضد المشاعر و العواطف.
05/ السمات العنيفة لفعل ما.(2)
و بالنسبة للموسوعة العلمية، فقد تناولت مصطلح العنف بصفة جادة الى حد ما، حيث قامت بشرح هذا المفهوم عن طريق تجزئة الصفات الأساسية التي تنسب لهذا السلوك، وتتمثل في النقاط التالية: (3)
* عبارة عن صفة تبرز و تخلق معها عوامل بقوة حادة وقسوة معتبرة، و هي في اكثر الأحيان ضارة و مهلكة.
* هو صفة الشعور نحو الشيئ بالكره و الرعب.
* صفة اللاتسامح و عدوانية كبرى، و يتصف بالاندفاع و القسوة في الكلام و حتى في التصرف.
* صفة شخص له استعداد تام لاستعمال القوة، و يتصف بالعدوانية.
* صفة المبالغة في استعمال القوة الجسدية.
* صفة لمجموعة الأفعال و التصرفات تتميز بالمبالغة في استعمال القوة العضلية أو الأسلحة، أو صفة لعلاقات عدوانية حادة.
* صفة التعامل بعنف كلإرغام و القهر عن طريق القسوة.(4).
* فالعنف بهذا التحديد العلمي هو عبارة عن سلوك عدواني بين طرفين كأفراد أو مؤسسات متصارعة، متحاربة، يهدف ويسعى كل منهما الى تحقيق مكاسب و مصالح معينة أو تغيير وضع اجتماعي معين،  والعنف هو وسيلة لا يقرها القانون و لا يعترف بها العرف الاجتماعي بل ينبذها و لا يحبذها ككل و تصل الى درجة مجابهتها و محاربتها و مكافحتها بالنظر لأثرها السلبي على الكيان الاجتماعي ككل، فإن من يستخدم العنف يكون غالبا الطرف الأضعف الذي يواجه طرف آخر يملك السلطة(5)، فهو يندمج ضمن الإيذاء باليد أو اللسان بالفعل أو الكلمة في الحقل التصادمي مع الآخر(6)، فالعنف هو صة لا قانونية في مواجهة الآخر، و هذا ما يلجأ إليه الارهاب في استواذه على العنف كوسيلة خارج الشرعية بغرض زرع الرعب و التخويف في أوساط المجتمع عن طريق استخدام الضغط و الاكراه العدواني بغية الوصول الى السلطة بدون إطار شرعي معترف به محليا و دوليا.

عوامل العنف ودوافعه:

تحتل ظاهرة العنف صدارة الهرم الاجتماعي، و في أعلى مستويات الاهتمام بالنسبة للباحثين المهتمين بالظواهر الاجتماعية و النفسية، نظرا لما تخلقه هذه الظاهرة من آثار بليغة داخل المجتمعات الانسانية، فهي نتيجة لعدة عوامل منها:
العوامل الاجتماعية:
إن السلوك العنيف يرتكبه الأشخاص الذين يشعرون بعدم الأمان إزاء انتمائهم الاجتماعي و مكانتهم داخل المجتمع(7)، ففي تقرير لسنة 1994 كشفت منظمت الصحة العالمية يجنيف بأن تلوث البيئة في المناطق العشوائية يعتبر المسؤول الأول عن ازدياد حالات العنف داخل المجتمع البشري.
و أوضح التقرير أن المسكن الجيد المناسب من الناحية الطبيعية و الاجتماعية يوفر للانسان الصحة الجيدة، سواء من الناحية النفسية أو الجسيمة(8)، و لكن ما يلاحظ اليوم في الجزائر هو تدهور القدرة الشرائية للمواطن موازاة مع ارتفاع مذهل في نسب الفقر والبطالة مما أدى الى ظهور بعض الأمراض المقترنة أساسا مع الفقر مثل " الطاعون، رماد العين " بالإظافة الى ظهور أمراض أخرى لم تكن موجودة في السابق و هذا ما يوضحه الجدول التالي الذي يوضح عدد الحالات المسجلة لبعض الامراض المميتة(9):
المرض
1997
1998
1999
2000
داء الليشمانيا( جلدي)
10217
6865
6254
4450
إلتهاب السحايا
2874
3250
3789
3623
التيفؤيد
4834
2767
2881
2805
إلتهاب الامعاء الغليظة
2892
3152
2836
2616
حمى مالطية
3434
2779
2793
3933
الحصبة
18536
3132
2295
1601
كباد حموي
4248
3378
2277
2704
حثار ( تراخوما )
1219
487
649
791
كيس محتوي على يرقات
830
678
627
771
داء الليشمانيا
190
308
151
220
مرض البقيري
35
94
62
31
الكزاز
33
28
18
12
الدفياريا
62
57
17
03
الدباح ( الخانوق )
32
13
07
32

و هذا مايعكس لنا الاستفحال الةاسع لبعض الأمراض داخل المجتمع أمام عجز الفرد على رعاية نفسهصحيا بالنظر للفقر المدقع الذي مس معظم الشرائح الاجتماعية كن جهة، و ضعف الرعاية الصحية  المقدمة في المستشفيات، و ما يعكس ذلك نلاحظه من سوء استقبال المرضى في المستشفيات لمجرد الاستعلام فقط، و لكن إذا تعلق الأمر بالاستشفاء فالإهمال و سوء الاهتمام يصل الى درجة الإستخفاف.
العوامل الإقتصادية:
ربطت المدرسة الاشتراكية السلوك السلوك العنيف بالضروف الاقتصادية، و هذا ما نلمسه حاليا  من خلال المجتمع الجزائري حيث يمس السلوك العنيف بوجه خاص الفئات و الشرائح الفقيرة و المعوزة التي تسعى للحصول على المأكل والنلبس، و هذا ما يمكن استخلاصه من واقعنا الاجتماعي المتسم حاليا بالانحطاط القيمي المقرون بانخفاض و تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، ففي اطارالتوجه الى اقتصاد السوق، و ترى نفس المدرسة أن عدم المساواة الاقتصادية في اطار " النظام الرأسمالي " العامل الأساسي الذي يدفع الى ارتكاب الفعل الاجرامي، و أن الجريمة هي بمثابة رد فعل على انعدام اعدالة الاجتماعية و خاصة في مجال توزيع ثروات المجتمع و إعادة المظالم لأهلها في إطار المجتمع الرأسمالي المبني على الربح على حساب كل القيم و المعايير الاجتماعية.
و يذهب انصار هذه المدرسة الى أن الجريمة هي احد ثمار المجتمع الرأسمالي، تؤثر في نفي الوقت على قوى الانتاج و عوامل الانتاج في هذا المجتمع، فالمجرم في نظر " كارل ماركس " لا ينتج فقط ظاهرة إجرامية و إنما ينتج قانون جنائي(10)، و لكن مع ذلك بقيت القوانين المسيرة للعلاقات داخل المجتمع في إطارها المدني و الجنائي سارية النفعول حتى الوقت الراهن بالرغم من تنمي السلوك الاجرامي بشكل واسع وشامل لكل مجالات الحياة الاجتماعية و الاقتصادية.
العوامل النفسية:
إن السلوك العنيف يرتكبه الأشخاص الذين يشعرون بخيبة الأمل أو فقدان الأمل ( hepelessess) حيث يجد المريض ذاته من خلال أعمال العنف، إذا فشل بطريقة أخرى(11)، فمعظم الإرهابيين كانوا يعيشون حالة من التهميش و الإقصاء، و كانوا اشخاص جانين على المجتمع، و هذا ما دفع بهؤلاء الأشخاص الى محاولة فرض وجودهم و رسم معالم لمكانتهم داخل الكيان الاجتماعي من خلال امتهانهم للسلوك العنيف المنبوذ اجتماعيا، و لكن تمكن هؤلاء المجرمين بعد أن أصبحوا خارجين على القانون في إطار " إرهابيين " من الحصول على شهرة حتى ولو تم ذلك في الإطار المرفوض اجتماعيا، أما بالنسبة للسيكولوجيين فقد اعتبروا العنف على أنه لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الوافع، و مع الآخرين، فإحساس الفرد بالعجز عن تبليغ و إيصال رسالته المادية والمعنوية و صوته بوسائل الحوار العادية، وحين تتوسع القناعة لديه بالفشل في إقناعهم و بالإعتراف بكيانه و قيمه و هذا ما لجأات إليه معظم التنظيمات التي لم يسمع لها و لم يصغ لها باللجوء للسلوك العنيف و هذا ما لجأت إليه حركة العروش بالقبائل باعتمادها للعنف كوسيلة للتعبير عند انسداد كل إمكانيات و آليات الحوار مع السلطة، و هذا ما تتسم به جل الحركات و المنظمات الجماهيرية.
فالعنف يكون فعل على إنكار الحياة الاجتماعية،  مدى الصراعات و الإضطرابات النفسية التي يعيشها الفرد، و كأسلوب يتخذه الفرد من أجل تحقيق حاجاته و رغبته (12)، لما عجز عن تلبيتها بالطرق المشروعة المتسمة بالحوار و الاتصال المشروع في إطار احترام القوانين الاجتماعية.

مظاهر العنف:

من أهم مظاهر العنف على الفرد المكون للبناء الاجتماعي و هي الصدمة النفسية التي لها اثار كبيرة على الفرد الذي عايش الاعتداءات الارهابية و خاصة لدى الطفل، بالرغم من ان مظاهر العنف لا تقتصر على الصدمات النفسية إلا أنها الأهم خاصة في بناء شخصيات سوية قادرة على التكيف و الاندماج الاجتماعي بغرض بناء شبكة من العلاقات الاجتماعية و معايشة الفرد عموما، و التلميذ خصوصا لمختلف الاعتداءات الارهابية تجعله يفقد الاستقرار و الأمن، فتسود حياته النفسية جملة من الصراعات و الاضطرابات المتمثلة في مختلف الأعراض كالإنطواء، و الخجل المبالغ فيه، و صعوبة النطق و المواجهة.....الخ، مما يمتد هذا الاضطراب الى مظهره الخارجي و بالتالي ينعكس في إقامته لعلاقات متكيفة مع محيطه الاجتماعي و المدرسي نتيجة الأحداث المتسمة بالعدوانية و العنف و الصدمية التي تعرض لها الفرد و طبعت في شخصيته و التصقت في أحيان كثيرة بسلوكه.
و على هذا الأساس اعتبرت الصدمة النفسية من أهم نتائج العنف وممارسته و يجدر بنا في البداية إعطاء مفهوم دقيق لهذا النوع و سنركز في مجال الصدمة على جانبين هامين هما ماهيتها و أعراضها لما لهما من دور هام في تحديد السلوك الفردي.
كان ولا يزال مفهوم الصدمة النفسية حاضرا ابتداءا من الدراسات حول الهستيريا، أين يضع أو يعتبر " فرويد " أن أصل كلمة عصاب مرتبط بحدث عنيف ذو طبيعة جنسية، يحدث مبكرا في حياة الفرد، و عرف هذا المفهوم توسعا فيما بعد و خاصة إبان الحرب العالمية الأولى، أين اهتم " فرويد " بالعصابات الصدمية(13)، حيث تعتبر الصدمة كظاهرة عدم الاجابة، فالجهاز النفسي الذي يتجاوزه الحدث نفسه عاجزا عن إيجاد الدلالات التي تسمح برمزيته، فيحدث التوقف( blocage)، هذا الحادث يعرض الجهاز الى ضغوطات(14)، و يعرفها " برنارد و سيغ " أن مصطلح العصاب الصدمي يعني الجهاز النفسي، و الذي يصبح محاط و مشبع برعب و عنف الحادث، دون أن تكون له القدرة على التفريق بين الحاضر و الماضي، هذا الحاضر الذي يبقى مثبت علىالأبد و يمنع من إكمال و مواصلة الحياة بطريقة عادية(15)، و هذا ماتم ملاحظته من خلال الأطفال الذين عايشو الاعتداءات الارهابية خاصة في " بن طلحة " ، فالصدمة عبارة عن إحساس يظهر بعد التعرض لحادث يصعب احتماله، مما نتج عنه اضطرابات داخلية وخارجية.
و من أعراض الصمة النفسية هناك الكثير من الاضطرابات و الأعراض التي تصيب بعض الأطفال عموما و التلميذ خصوصا عند تلقيهم لمختلف الأزمات و التوترات في صور متعددة منها:
-1- التبول اللاإرادي و الذي يحدث نتيجة الأسباب التالية:
* الأسباب الجسمية: و التي تتمثل في : التهاب مجرى البول، فقد البول، نقص الفيتامينات، عدم التحام العمود الفقري في أجزاءه السفلى..... الخ.
* الأسباب النفسية: التي تنشأ بسبب البيئة و ما فيها من من خبرات مؤلمة و إضطرابات انفعالية مثل عنصر الخوف، كالخوف من الظلام أو حوان أو من تهديد أو خوف من وفاة عزيز و كذا تغير البيئة.
* حاجة الطفل الى الأم و الاعتماد عليها: و في هذا الحالة يكون التبول كتعبير لا شعوري( نكوص ) أي الرغبة اللاشعورية للرجوع على حالة الطفل حتى يتمتع بها برعاية الأم.
-2- الإنطواء و الخجل:
يمثل الإنطواء والخجل الانسحابي مشكلة أبلغ خطر من غيرها، من اضطرابات السلوك الاجتماعي، كالسلوك العدواني، حيث يعمد الطفل الى الانطواء و السلبية...الخ،  و يرجع هذا السلوك الانسحابي أصلا الى سوء تكيف الطفل مع البيئة التي يعيش فيها، و عدم كفاية إمكانيات البيئة في إشباع الحاجات النفسية للطفل، و تعتبر الدراسة التي قام بها " ج كورمينا G.CORMINA " 1943، حول أطفال الملاجئ الذين عايشوا الحرب فوصفت فيهم أعراض الإكتئاب و الإنفراد و عدم الاتصال الاجتماعي(16).
-3- التخريب و التدمير:
 حيث ينتج التخريب إما عن عوارض جسمية غددية، أو نتيجة عوامل انفعالية مكبوتة لم تعمل الأسرة على إيجاد تصريف لها، أو نتيجة الغبرة أو الرغبة في الانتقام و الشعر بالاضطهاد، و هناك نوع من التخريب يوجهه الطفل لنفسه بقصد تعذيب الذات و سببه الشعور بالخطيئة أو كراهية الذات.
أما التدمير فيحدث نتيجة وجود النشاط الزائد و الحيوية، حيث لا تتوفر له سبل تصريف النشاظ  نتيجة وجود عوامل انفعالية، الإهمال أو الشعور بالنقص و الدونية، الظروف البيئية الصعبة الخالية من وجود العوامل المساعدة على اللعب كما في المدن، و حيث لا تتواجد حدائق عامة أين يوجد الطفل فيها متنفسا فيرتكب أعمال التدمير(17).
-4- الإعتداء و المشاجرة:
 و هي عبارة عن استجابة لإحباط تعرض له الطفل، أو رغبة جامحة للسيطرة على طفل آخر، و يمكن القول ان البيئة الاجتماعية فير السليمة تساعد على تنمية الاعتداءات، و تطورها نحو السلبية وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال المؤسسات الإجتماعية في إطار مجتمعنا، و التي تعرف حالة من الفوضى و الااستقرار و الانسداد مما يفرز حالة من الصراع و التناقض  الذي يتولد عنه حالة من الأداء الوضيفي الضعيف الذي يصل في بعض الأحيان الى الاعتلال الوضيفي ومنه عجز هذا البيئات الاجتماعية من تادية أدوارها الاجتماعية، و كذلك الضغط الزائد و تقيد الحرية قد يقود الى الاعتداء و المشاجرة.
-5- الخوف:
إن مخاوف الأطفال تتكون أثناء الطفولة المبكرة، و نتيجة لتعاملهم مع البيئة و تأثرهم بالنمط الحضري لهذه البيئة و ما فيها من مفاهيم وعادات و أساطير و مواقف، و هذا ما تخلقه المؤسسات المكونة للمجتمع الجزائري في نفس الطفل و بنائه الشخصاني حيث تلجأ الأم بغرض اسكات ابنها الى تخويفه من الاقدام على البكاء و الا أحضرت له أمورة غيبية لمعاقبته مما يولد لدى الطفل حالة من الرعب و الخوف، و هذا ما يلجأ اليه المجتمع من اجل ترهيب الأفراد و ترعيبهم بدءا من السنين الأولى لطفولتهم.
و قد أثبتت بعض الدراسات التي أجريت حول مخاوف الأطفال أنه يتراوح بين النسب التالية:
الخوف من الأمور الخارقة في الطبيعة كالسحر و الشياطين بنسبة (11.5 %).
بقاء الطفل وحيد ( 14.5 % ).
الخوف من هجوم الحيوانات بشكل مفاجئ ( 13.5 % ).
الخوف من الجروح و الوقوع في العمليات الجراحية ( 13 % ).
 و هذا كله نتيجة التاثيرات الاجتماعية و ما يتلقاه الفرد من خلال تفاعله مع البيئات الاجتماعية المختلفة، و بذلك فعملية تلقين الفرد بعض النماذج السلوكية تولد لديه حالة من الخوف من الواقع خاصة في وقتنا الراهن الذي ارتفعت فيه نسب البطالة  الفقر، و الانتشار الواسع للأمراض الخطيرة.
-6- العدوانية:
قد يكون القلق هو السبب في العدوان، حيث يكون الطفل في هذه الحالة سريع الإستثارة، و من التفسيرات العديدة التي وضعت للعدوان هي:
* التسامح الشديد من قبل الوالدين إزاء الاتجاهات العدوانية من شأنه أن يزيدها و ينميها
* لا يمكن إغفال الأوضاع الأسرية و الاجتماعية حيث يرى كثير من العلماء أن الإحباط دائما يقود الى العدوان.
-7- إضطرابات النوم:
و تشمل مايلي:
أ/ العناد: و صعوبة الإنتقال من حالة اليقضة الى حالة النوم، إلا بمساعدة خارجية، كأن تحمله الأم على كتفها أو تنام بجواره، و أن يضع أصابعه في فمه، أو عن طريق أدوية كيماوية بغرض النوم.
ب/ الأرق: حيث يظهر القفز أثناء النوم أو التقلب المستمر، فيكون السبب إما مرض عضوي مثل: إضطرابات التنفس، أو كمرض نفسي سببه: عدم التوافق بين الوالدين و مشاهدته لخلافهما اللفضي و الجسدي، و هذا مالمسناه عند أحد الأطفال الذي عايش خلاف والديه مما يظهر جليا من خلال سلوكه أثناء النوم من خلال صعوبة النوم و الكلام أثناء ذلك، إحساس الطفل بالذنب و الوقوع في الخطأ، المنافسة مع الإخوة و الزملاء في المدرسة، محاولة الوالدين المتكررة لتنشئة الطفل بطريقة مثالية، و كما يريدون مما يؤدي الى صراع نفسي بين ما يطلبه و بين رعايته الشخصية.
ج/ التجوال والمشي الليلي: و هو السير أثناء الليل، فمن ناحية الأسباب الجسمية نجد سوء الهظم أو الإفراط في الأكل، أما من الناحية النفسية فيكون نتيجة فقدان الطفل شعوره بالأمن، حيث لاحظنا من خلال سلوك أحد الأطفال أن السير أثناء الليل مقترن لديه بما يحدث له في النهار فإذا ضربه أحد في النهار أدى ذلك إلى مشييه في الليل كرد فعل على ذلك الوضع الذي عايشه بالنهار، أو اختفاء شحص معين عزيز عليه عن طريق الوفاة، السفر الطلاق....الخ.
د/ الكابوس و الفزع الليلي: و هذه الحالة تميز جل الأطفال والأفراد الذين عايشوا الاغتداءات الإرهابية و خاصة في " بن طلحة " و" رايس "، فمعظم هؤلاء الأطفال يعيشون حالة من الكوابيس المتكررة المرتبطة أصلا بحالات العنف الذي شاهدوها المقرون بالفزع و الخوف و الرعب الليلي، و الذي يحدث نتيجة صعوبة التنفس و نقص السكر في الدم، بالإضافة الى الصراع النفسي الذي يعيشه الطفلمن خلال استرجاعه لتلك الحوادث الأليمة التي عايشها و شاهدها و هذا ما يؤدي به الى الاستيقاظ باكيا(18).
-8- مص الأصابع:
ترجع هذه الظاهرة الى كثرة التأنيب و العنف و القساوة في التربية و الاضطراب و التناقض في محيط الطفل.
-9- قضم الأظافر: تظهر هذه العادة بعد الخامسة أو السادسة من العمر، و قد تشتمر حتى البلوغ أو بعدها، و سببها الرئيسي الخوف الداخلي أو الصراع بين الواقع و الخيال، و عدم القدرة على تحقيق الأماني العديدة، كما أنها قد تكون أحيانا عبارة عن تفريغ رغبات عدوانية مكبوتة.
-10- التأتأة و التعلثم ( إضطراب النطق ): و تكون نتيجة الإضطراب أو الخوف(19)، فالأحداث و الوقائع العنيفة لها أثر في تكوين الصدمة النفسية لدى الطفل عموما، التي نتج من جرائها جملة من الاضطرابات السلوكية و النفسية، و التلميذ خصوصا حيث أنه من خلال ملاحظتنا لبعض الحالات التي عايشت الأحداث العنيفة و العدوانية شاهدنا الخوف و القلق الشديد الذي كان ينتاب هؤلاء التلاميذ المصدومين، و الإكتئاب الذي يظهر عليهم و كذا تعرضهم لكوابيس و إضطرابات النوم، حيث أنهم كانوا يرون أحلامهم المزعجة و كأنهم يعيشون حقيقة في واقعهم المؤلم.
فكل هذه الصور و غيرها من أعراعراض الصدمة تعتبر كرد فعل لما يعانيه الفرد و خاصة الطفل و منه التلميذ في بيئته خصوصا عند حرمانه من والديه، مما ينعكس على تكيفه الاجتماعي عامة و المدرسي خاصة، حيث أصبحت تسمى هذه الأعراض في علم النفس بأعراض نفسجسمية أي كل ما يأثر في النفس البشرية ينعكس على التركيبة الجسمية للفرد و من العوامل المتحكمة في درجة تأثير الصدمة وهي جملة من الحوادث التي تستطيع أن تسبب الصدمة هي:
* إدراك الحدث أو الواقعة كمهدد للحياة.
* أن يكون الشخص مجروح و يرى أشخاص جرحى.
* مشاهدة أفراد من العائلة مقتولين.
* السماع الى صراخ و نداء و طلب النجدة بدون المقدرة على المساعدة.
* نقل الجثث.
و هناك عوامل أخرى تستطيع تضخيم الإستجابات الصدمية:
* المفاجأة، انفجار و طلقات نارية.
* القرابة و مدة الحدث.
* التكرار.
* درجة الوحشية: و ها ما يؤثر و يجعل الفرد و خاصة الطفل يشعر بحالة من اللاأمن و اللاإستقرار خاصة من المستقبل، مما يجعل هذا الفرد يعيش في حالة من الصراع الداخلي الذي ينجر عنه وضع نفسي متأزم ينعكس لاحقا على تركيبته الشخصية من حيث البناء و الوظيفة و حتى من خلال السلوك الفردي الذي سيتسم بالعدائية اتجاه الواقع ككل.
* العلاقة مع الضحية: و تزيد الوضع تعقيدا إذا كانت الضحية هي المعيل الوحيد للعائلة من الناحية الروحية( العاطفية) و المادية.
* العلاقة مع القاتل.

النظريات المفسرة للعنف:

01/ نظرية التحليل النفسي:

بنيت هذه النظرية على أساس فرضية " دولارد و زملائه عام 1939 " التي مؤداها أن الإحباط يؤدي الى العنف، و قد صنفت هذه الفروض على جزئين:
- العنف يعد دائما نتاجا للإحباط.
- إن حدوث السلوك العنيف يفترض أن يسبقه موقف إحباط.
و يشير أحمد عكاشة الى أنه طبقا لهذه النظرية فإن الإحباط إن لم يؤدي الى العنف فعلى الأقل كل عنف يسبقه موقف إحباطي، و المصدر الأساسي لهذه النظرية الدراسات التي تشمل على تأخير أو تعطيل إشباعات الطفل تقابل تحطيمه للأشياء التي أمامه.
فالحرمان النسبي و مايخلفه من أثار في نفسية الفرد يؤدي به الى العنف من أجل التعويض عن تحقيق الأهداف و الأماني و التوقعات.

02/ نظرية الأصول البيولوجية:

تقوم هذه النظرية على فرضية أساسها أن هناك غريزة عامة للاقتتال لدى الإنسان، و من ثم فإن جانب كبير من العنف البشري يرد إلى أصول غريزية، فقد أوضح ذلك  " كونراد لورنز " بقوله: أن العدوان له أصول بيولوجية، و قد بنى افتراضه على أساس ملاحظته أنواع عديدة من الحيوانات، من خلال البقاء للأصلح.

03/ نظرية التحليل الإجتماعي:

أ) تعلم العنف:
ترجع هذه النظرية فكرة التقليد أو المحاكاة كأساس لحدوث السلوك العنيف، حيث يلجأ الطفل طبقا لهذه النظرية الى تقليد الكبار و التعلم منهم، و يحدث ذلك من خلال نماذج كالأفلام و المسلسلات التلفزيونية، فالطفل يتعلم العدوان و العنف كما يتعلم الأنواع الأخرى من السلوك.
ب) عوامل الجماعة: تقوم هذه النظرية على فكرة " العدوى الجماعية " حيث يفقد الأفراد التكيف المنطبق في إطار الجماعة، و قد افترض " فستنجر و زملائه " وجود حالة سيكولوجية اسمها الإنفراد تؤدي الى زيادة السلوك الاندفاعي الممنوع اجتماعيا بما في ذلك العنف.
و قد يستثار الفرد بفعل ظروف معينة منها المجهولية ( إحساس الفرد أن لا أحد يعرفه ).
ج) ثقافة العنف: تبنى هذه النظرية على افتراض وجود ثقافة العنف، تجسد اتجاهات النجتمع نحو العنف مثل: تمجيد العنف في الروايات و  وسائل الإعلام، واكتشاف معايير اجتماعية تقوم على أفكار مثل: الغاية تبرر الوسيلة، و أيضا قوانين النافس في التعاملات الاقتصادية و الاجتماعية على النحو الذي يجعله القانون الاساسي للبقاء، و بالتالي وجود ثقافات أساسية و فرعية، تمجد العنف و تقره شريعة بينها و تبرز نماذجه في المجتمع.

04/ النظرية العلمية:

أ) الكروموزمات و العنف: تحاول هذه النظرية تفسير العنف من خلال التركيز على كروموزوم ( XYY ) الذي يفسر على أنه نوع من الاختلال في كروموزومات الذكور، فالأنثى العادية لها كروموزومات من نوع ( XX ) يرتبطان بالجنس، بينما يوجد لدى الذكور ( XY ) و لكن من الواضح أن هذا الاختلال من نوع ( XYY) يمكن أن يكون سببا رئيسيا في العنف لدى الإنسان.
ب) المخ: يعتقد أنصار هذه النظرية أن السمات أو الملكات المختلفة للشخصية يقع مركز كل منها في منطقة معينة من المخ و منها ملكة التدمير، التي كان يعتقد أن مركزها في موقع المخ فوق الأذن.
ج) الكولسترول و العنف: الإفتراض الأساسي لهذه النظرية يقوم على أساس أن هرمونات العنف مرتبطة بمستويات الكولسترول المنخفضة التي تعتبر كمؤشر صادق و سهل القياس لاكتشاف جرائم العنف و خاصة بين الأحداث و المراهقين.
و من هنا نلاحظ أن العنف هو سلوك عدواني يتسم بحالة عدائية اتجاه الآخرين من منطلق فكري معين أو بغرض تلبية حاجة إجتماعية أو سياسية أو ثقافية معينة، مستخدما أسلوب الضغظ أو القوة عن طريق إرتكاب أفعال و أعمال التدمير و التخريب و التي تصل في بعض الأحيان الى التقتيل و التنكيل بالجثث و الأنفس لتصل الى قتل الأطفال و حرق الصبيان و اغتصاب النساء و سبيهم مثلما يحدث في الجزائر على يد بعض الجماعات الإرهابية تحت مسمى " زواج المتعة " تحت غطاء " الحرب المقدسة " على المجتمع ككل بغية الوصول الى السلطة، فهذا الوضع ككل هو وليد جملة من العوامل الاجتماعية مثل تنمي نسب البطالة و الفقر وتدني القدرة الشرائية و انسداد الوضع البنائي و الوظيفي داخل المؤسسات الإجتماعية بالإضافة الى الظروف البيئية السيئة و ما تحماه في طياتها من تأزم و تدهور اجتماعي عام و عوامل نفسية ترجع الى شخصية مرتكب العنف في حد ذاته، من فقدانه الثقة، و شعوره بالنقص، متخذا عدة مظاهر سواءا كانت جماعية كالتمرد من أجل التحرر من السيطرة الداخلية و الخارجية أو العنف الفردي من أجل إبراز الذات.
و يعرف مجتمعنا منذ مدة و في السنوات الأخيرة بشكل خاص انتشارا واسعا لظاهرة العنف و الاعتداء الإرهابي تاركا آثار مست مختلف شرائح المجتمع.







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] جميل صلبيا، معجم الفلسفة، دار العلم للملايين، بيروت( لبنان)، 1982، ص112.
2. robert(p), dictionnaire, le robert analphabetique et analogique de la langue francaise .socite du noueau le ver s.n.p 1997 p209.
3. larousse, dictionnaire encyclopédique, liberairie larousse. France, 1988, tome 10, p107.
4. op. Cit. P 197.
5. محمد أحمد بيومي، ظاهرة التطرف: الأسباب و العلاج، دار المعرفة الجامعية، 1999 ص 100.
6خليل أحمد خليل، المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع، دار الحداثة للطباعة و النشر و التوزيع، ط1، 1984، ص138.
7. عبد الرحمان العسوي، الطفولة والمراهقة: أسسها النفسية و الفيزيولوجية، دار العلوم العربية للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1993، ص202.
8. محمد الجوهري و آخرون، المشكلات الاجتماعية، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، ط1، 1995، ص73
9. الديوان الوطني للاحصائيات، الجزائر بالأرقام، رقم 31، نشرة 2002، مرجع سبق ذكره، ص15
10. علي عبد القادر قهوجي، علم الإجرام والعقاب، دار النهضة العربية، بيروت، 1984، ص63
11. عبد الرحمان محمد العيسوي، المرجع السابق، ص201
12. مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي: مدخل الى سيكولوجية الانسان المقهور، الدراسات الانسانية، معهد الإنماء العربي، لبنان، ط4، 1986، ص173
13. chérifa( bouatta), psychologie, reveu annuelle éditée par la société algérienne traumatisme, réaction et prise en charge, n8, 1999/2000, p16.
14. عبد القادلر بوخروفة، التكفل النفسي لأطفال ضحايا العنف، الهلال الأحمر الجزائري، وقائع الملتقيات الجهوية سكيكدة، تيارت، تاغيت.
15. BERNARD DERAY ET CLAUDE LOUZOUN, les traumatismes dans les psychisme et la culture, édition eress, 1997, p222.
16. السيد رمضان، مدخل الى رعاية الأسرة والطفولة( النظرية و التطبيق)، المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، الإسكندرية، بدون سنة، ص293،294،295.
17. محمد أيوب الشحيمي، مشاكل الأطفال.كيف نفهمها؟، مكتبة الطفل النفسية و التربوية، دار الفكر اللبناني، بيروت، ط1، 1994، ص82،83.
18. كمال محمد محمد عويصة، سيكولوجية الطفل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1996، ص192
 19. سامية حسن الساعاتي، الجريمة و المجتمع، بحوث في علم الاجتماع الجنائي، دار النهضة العربية للطباعة و النشر، لبنان، بيروت، ط2، 1983، ص306.

إرسال تعليق

 
Top