مقدمة:
لا شك أن الاتصال
عملية اجتماعية هامة و حساسة لما تحتويه
من وظائف علائقية و تفاعلية يحتاج اليها الأفراد في بناء شخصياتهم و اتمام
مشاريعهم الاجتماعية و الأخلاقية و الجمالية.
و يعد الإعلام
الدعاية الأساسية في العملية الاتصالية بسبب إمكاناته في ايصال المعلومة و ضمان
قيامها بالتأثير المطلوب في الوسط الاجتماعي الذي وجدت فيه، و ليس من السهل تجتوز
هذه الحقيقة السامية للاعلام بل إن الغفلة عنها يضعف من القدرة و الطاقة
المجتمعية، غير أن هذه الحقيقة التي يتمتع بها الاعلام ليست هي الحقيقة الوحيدة أو
المطلقة و إنما هناك اوجه أخرى تتمثل أساسا في النتائج العكسية عند سوء استخدام
الاعلام بقصد أو بدون قصد.
مفهوم الاعلام:
الاعلام ظاهرة
اجتماعية تتشكل أساسا من نظام تفاعلي مباشر أو غير مباشر أو باستعمال الوسائط أو
بدون استعمالها، فيقوم على أساس عنصرين فاعلين هما " المرسل" و "
المرسل اليه"، فالعلاقة بينهما هي علاقة استقبال معلومة أو فكرة أو عاطفة
الهدف منها إحداث التأثير فيمن يتلقى.
و يمكننا أن نعرف
الاعلام أيضا بأنه منهج إتصالي اجتماعي و نفساني يحقق التفاعل الاجتماعي المطلوب
وينقل الصورة الذاتية الى المجتمع و ينقل صورة المجتمع الى الذات.
و يعرف الاعلام
أيضا بأنه ظاهرة اجتماعية الهدف منها التبادل الحاصل في القيم و المعايير و نقل
الثقافة من عنصر اجتماعي الى عنصر اجتماعي آخر من أجل الاتباع أو من أجل السيطرة.
الوظائف المثالية لوسائل الاعلام ( الإيجابيات ):
هناك مجموعة من
الوظائف المثالية التي يمكن أن يؤديها الإعلام و يمكن حصرها في العناصر التالية:
01) نقل القيم و الثقافة و المعايير الاجماعية التي تحقق
التوازن و الاستقرار الاجتماعي .
02) توجيه الرأي العام، أي صناعة رأي عام واحد مشترك بين
أغلبية أفراد المجتمع حول موضوع أو إشكال اجتماعي عام .
03) نقل المعارف وصناعة الثقافة العلمية و توزيعها على كل
الفئات الاجتماعية .
04) صناعة المتعة و الرفاهية الثقافية .
05) المعالجة المستمرة للانشغالات و المشاكل المطروحة
اجتماعيا .
و لكن الإعلام
مثله مثل كل المؤسسات الاجتماعية يمكن أن يتحول الى وسيلة هدم اجتماعية تقوم
بانتاج السلوكات الانحرافية المهددة للبناء الاجتماعي و المخالفة للنظام الثقافي .
الإعلام و صناعة الانحراف:
على خلاف الوظائف
المثالية لوسائل الإعلام يمكن أن يكون لهذه الأخيرة وظائف غير مقبولة اجتماعيا و
تؤدي الى صناعة القابلية للانحراف و هذا من خلال المؤشرات التالية:
01) صناعة الإزدواجية الثقافية:
إن من أحطرما يمكن
أن يواجه الأفراد و المجتمعات هو وجود ثقافتين متناقضتين داخل البيئة الاجتماعية
الواحدة، مما يحدث صراعا ثقافيا بين هويتين إحداهما أصلية و الأخرى هوية وافدة
تعمل على صياغتها المادة الإعلامية التي يتم إنتاجها في مجتمعات مخالفة للمجتمع
المحلي ثقافة و فكرا و دينا، فيلجأ البعض الى المحاكاة لهذه الثقافة الوافدة المصورة
عادة بالصور الإغرائية الممزوجة بالحرية و العدالة والمساواة و الرفاهية
الإقتصادية دون الأخذ بعين الاعتبار الخطر الذي تشكله على الثقافة المحلية التي
عادة ما يتم صياغتها و وصفها بأنها ثقافة محافظة و عليه ينتج السلوك الانحرافي
المقلد لما يتم صياغته في المادة الإعلامية.
02) صناعة الشخصية العنيفة:
يتشكل السلوك
الإنحرافي من مجموعة من الممارسات، و أهمها على الاطلاق الممارسة العنيفة.
و مما يلاحظ على
المادة الاعلامية في عمومها حشوها المبالغ لمظاهر العنف، و هي محاولة لإقناع
الشخصية أن العنف هو اللغة و الوسيلة المثالية لتحقيق الأهداف والغايات أي حصر
الشخصية في أنماط سلوكية عنيفة ليست عندها أدوات الحوار و ليس عندها القابلية لمعايشة
الآخر المخالف، ومن مظاهر العنف شيوعا في وسائل الاعلام هو القتل الذي يحمل عادة
الصورة الانتقامية، أو السرقة الممارسة ضد الممتلكات العمومية، و العنف ضد المرأة
و الأطفال.
كل هذه المشاهد
يحاكيها بعض الأفراد خاصة في مرحلتي المراهقة و الشباب .
03) صناعة الشخصية الإنعزالية:
إن الاستهلاك
الإعلامي أدى في الكثير من المجتمعات المحافظة الى تفكك البنية الاجتماعية و التأثير على الاتصال المباشر و
العلاقات المباشرة و الاحتكاك و الالتقاء المتواصل مما يجعل التفاعل الاجتماعي
خاصة بداخل الأسرة يفقد خاصية الحميمية و الحيوية، كما قام الاعلام بإنتاج عوالم
متعددة داخل الأسرة الواحدة بحيث أصبح للزوجين عالمهما الخاص المصنوع من وسائل
الإعلام القائم على مشاهدة برامج إعلامية خاصة، و أصبح للأطفال عالمهم الإعلامي
الخاص القائم هو الآخر على استهلاك برامج إعلامية خاصة .
و أصبح كذاك للذكور
الشباب عالمهم الخاص في نفس الأسرة، كل هذه العوامل تعيش في عزلة عن بعضها البعض و
أخطر ما في الأمر هو الضعف المسجل على استعمال الضبط الاجتماعي و المتابعة اليومية
لسلوكات الأبناء مما يقوي احتمالات الوقوع في الإنحراف لديهم .
04) صناعة إزدواجية الشخصية:
و المقصود بهذا
المعنى أن الشخصية أصبحت رهينة ثقافتين متناحرتين، الثقافة المحلية التي تمارسها
الأسرة و المدرسة و المجتمع القائم على معايير المحافظة و الحشمة و الحياء و
الولاء، الاحترام في العلاقات المحافظة بين الذكور و الاناث...، و الثقافة الوافدة
التي تقوم على معايير الإنفتاح و الاباحية و الحرية المطلقة في العلاقات
الاجتماعية وعدم الإنقياد الاجتماعي للأوامر و المحددات الأخلاقية الاجتماعية.
فينشأ بهذه الصورة
صراع داخل الشخصية بين ماهو موجود عمليا في البيئة الاجتماعية و الذي يتميز عادة
بالتعنيف و الإلزام، و ماهو متلقى من وسلة الإعلام القائم على الإغراء رغم ميزته
اللاأخلاقية، و هنا تكون الشخصية محل اختيار صعب بين الواقع والحلم الإعلامي الذي
يفتح الباب واسعا أمام إحتمالات الإنحراف.