مقدمة:
إن الإرهاب بشكل عام هو من فعل
أرهب، أي أخاف و أرعب، وهو ظاهرة معقدة نتاج تشابك العديد من العوامل النفسية و
الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية.
و هناك عدد من العوامل التي تؤدي إلى
تفشي هذه الظاهرة منها: غياب العدالة الاجتماعية و انعدام الديمقراطية و
الفقر و أزمة التعليم و الفهم الخاطئ
للدين و الاستعمار....الخ.
كل هذه العوامل بالطبع لها دور
كبير في تشكيل عوامل نفسية متباينة لدى الفرد ما يسهل فرص ظهور و انتشار الإرهاب.
كما أن أي محاولة جادة لمعالجة
ظاهرة الإرهاب تتطلب النظر إلى جميع هذه العوامل لتشخيص أسبابها الحقيقية و
بالتالي وضع العلاج المناسب لها، فالتصدي للإرهاب لا يكون بالإرهاب كالتدخل الأمني
و استعمال القوة المفرط بل يجب الوقوف على الأسباب الحقيقية و معالجة الأمر بحكمة
و موضوعية.
و الملاحظ في الآونة الأخيرة أن
الإرهاب اكتسب صفة جديدة و خصائص جديدة حيث غير من وسائله و طرائقه و ذلك باكتساحه عالم الرقمنة، حيث أصبح
يعتمد على الكمبيوتر و الانترنيت لنشر أفكاره و سمومه و بالتالي أصبح أكثر ضراوة و
شراسة من ذي قبل، ذلك أنه أصبح من السهل علي هؤلاء الإرهابيين التحكم الكامل في
اتصالاتهم و تبادل المعلومات في سهولة و يسر ما زاد من اتساع مسرح عملياتهم
الإرهابية و بالتالي أصبح من الصعب القضاء عليهم.
ففي البيئة الرقمية يمكن أن تختلط
المفاهيم و تكون الحدود بين حسن الاستخدام و سوءه مبهمة و غير واضحة المعالم، فالانترنيت
عالم واسع كثير التطبيقات التي تناسب جميع الفئات العمرية بمختلف اهتماماتهم و
مستويات تعليمهم و أصبح من السهل إساءة استخدام هذه التطبيقات و إلحاق الأذى
بالنفس أو بالآخرين و قد يصل الأمر إلى حد ارتكاب جرائم بقصد أو بغير قصد، كما قد
يتطور الأمر إلى حد ارتكاب عمل إرهابي بقصد أو بغير قصد ذلك أنه أصبح من الصعب وضع
حدود فاصلة بين هذه الممارسات مما قد يوقع الشباب في فخ ارتكاب جرائم أو يكونون
أداة تستخدم لارتكابها أو حتى أعمالا إرهابية دون علمهم أو تصورهم أنهم قد يصلون
إلى هذا الحد و لعل أهم هذه الجرائم التي ترتكب مرارا و تكرارا نجد:
* جرائم القذف و الشتم.
* جرائم التشهير و الابتزاز.
* جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال.
* جرائم التحريض على الفسق و
الدعارة.
* جرائم استغلال القصر.
* جرائم الاختلاس و السرقة الفكرية
و العلامات التجارية.
* جرائم الاعتداء على الأموال من
مصارف و بطاقات ائتمان و غيرها.
* جرائم المتاجرة بالمخدرات و
المتاجرة بالبشر.
* جرائم غسل الأموال.
ففي دراسة أجراها علماء
الإجرام توصلوا إلى أن أعمار منفذي
الجرائم الإلكترونية تتنوع مع اختلاف دوافعهم، فهناك من منفذي الجرائم الأطفال و
المراهقون الذين تكون دوافعهم عادة لمجرد التسلية غير مدركين حجم الضرر كما أن
هناك المحترفين الذين تهتم بأعمالهم الشركات الضخمة و المنضمات.
وسائل الإرهاب الإلكتروني:
01/ البريد الإلكتروني:
يعد البريد الإلكتروني من أعظم
الوسائل المستخدمة في الإرهاب الإلكتروني حيث يعد وسيلة آمنة و سهلة و سريعة
للتواصل بين الإرهابيين، و تبادل المعلومات فيما بينهم و التخطيط لعملياتهم، كما
يستخدم أيضا لدى بعض المتطرفين دينيا أو سياسيا في نشر أفكارهم و الترويج لها و
كسب تعاطف الآخرين، كما يقوم الإرهابيون أيضا باختراق البريد الإلكتروني للآخرين
لتتبع مراسلاتهم و الاطلاع على بياناتهم و أسرارهم للاستفادة منها في التخطيط
لعملياتهم الإرهابية.
02/ مواقع الانترنيت:
إن عدد مواقع الانترنيت قد تجاوز
عتبة المليار و مأتي مليون (1.202.963.000 موقع إلى حد كتابة هذا المقال) حسب
إحصائيات 2017 بمعدل أربع مواقع جديدة في الدقيقة الواحدة، و بمعدل مليوني موقع
جديد يوميا ( 2.737.000 ) ففي ضل هذا العدد الكبير من المواقع يقوم الإرهابيون
بإنشاء مواقع لهم لنشر أفكارهم و الدعوة إلى مبادئهم بل وصل الأمر إلى استفادتهم
من هذه المواقع في تعليم الطرق و الوسائل التي تساعد على القيام بالعمليات
الإرهابية كصنع القنابل و المتفجرات، كما تستعملها لغرض التخويف و نشر الرعب
بإظهار الجثث و الطرق التنكيل و التعذيب و القتل.
03/ نشر الفيروسات:
السلاح الآخر للإرهاب الإلكتروني
هو إنشاء فيروسات و نشرها على الانترنيت بغرض تدمير المواقع الأخرى و البيانات
الموجودة بها، حيث يشهد العالم كل يوم فيروسا جديدا و أكثر تدميرا.
04/ اختراق البريد الإلكتروني:
إن اختراق البريد الإلكتروني يمكن
الإرهابيين من التوصل الى المعلومات الشخصية و السرية بسهولة، و ذلك بما يسمى
الهاكرز و الذي يقوم متخصصون في مجال الكمبيوتر.
طرق التصدي للإرهاب الإلكتروني:
قبل التطرق لطرق التصدي للإرهاب
الإلكتروني دعنا نسرد في عجالة بعض الحقائق الصادمة و المنتشرة عبر العالم و التي
تهم الكبار قبل الصغار:
ففي تقرير للهيئة
الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة أدانت من خلاله ظاهرة ثقافة
متسامحة مع المخدرات و نددت بالدور المشؤوم الذي تقوم به الشبكة في عرضها
للمخدرات بشكل مقبول و مرغب، مؤكدة أن عدد كبير من الأشخاص أصبح بإمكانهم الوصول إلى
معلومات حول المخدرات كما أن المجتمع الهولندي استعمل الانترنت لعرض المخدرات في
السوق الدولية
.
يعتبر الانترنت
كمهدد للأمن الاجتماعي ،خاصة في المجتمعات المغلقة و الشرقية ،لأن عرض بعض
السلوكيات و القيم يسبب تفسخا و انهيار في النظام الاجتماعي للدول المستقبلة ، و
كل استخدام لا أخلاقي و لا قانوني للشبكة يصل لفئة الهواة و المراهقين مما يؤثر
سلبا على نمو شخصياتهم و يوقعهم في أزمات نفسية و قيم لا تتماشى مع النظام الاجتماعي
السائد مثل التعامل مع المواضيع الجنسية و الإباحية ، المتعارضة مع قيم المجتمعات الإسلامية
و المبادئ السامية.
لقد بينت إحصائيات أن الطالب كان يقضى1100 ساعة أمام
التلفزيون كل عام مقابل 900ساعة على مقاعد الدراسة ، وبعد ظهور الانترنت دخل في
منافسة مع التلفزيون على 900ساعة الخاصة بالدراسة،ولم يبق للشباب ولو بضع ساعات في
الأسبوع ليقضوها رفقة العائلة.
أفادت
نتائج دراسة جزائرية شملت نحو ألف طفل في مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة أن
72 % من الأطفال يتجولون عبر مختلف مواقع الانترنت دون مراقبة ، وان 68 % يسمح لهم
أولياؤهم بالتوجه إلى مقاهي الانترنت بمفردهم بينما يحظى 33 % منهم بتوفر الانترنت
بالمنزل
.
و عليه فإنه يتضح
لنا جليا أن الطريقة الأولى الأنجع و الأكثر كفاءة هي زيادة وعي الأولياء بالدرجة
الأولى بمخاطر الانترنيت و ما يترتب عنها من انحلال خلقي و تفسخ للقيم إذا تركت في
متناول الأطفال دون رقيب أو حسيب، لذلك فالولي هو المخاطب بالدرجة الأولى و الواجب
عليه اتخاذ بعض التدابير الاحترازية التي نذكر منها:
* قبل توفير
الانترنيت للأطفال وجب على الأولياء معرفة أنواع الخطر و أمكنتها و كل مجالات
التهديد المحيطة بالطفل و السؤال و التثقف و البحث حتى يكون الولي على دراية تامة
بما يقدمه للطفل.
* الحد من الكم
الساعي لتواجد الأطفال أمام الانترنيت.
* مرافقة الأطفال
و مجالستهم أمام جهاز الكمبيوتر و مراقبة جميع الأماكن التي يزورها الأطفال.
* نشر الوعي
التكنولوجي بكيفية التعامل مع الانترنيت و الكمبيوتر، و تدريب الشباب على
الاستخدام الآمن للانترنيت و تعريفهم
بكيفية الحفاظ على سرية البيانات و تامين المواقع الخاصة بهم و البريد الالكتروني
و جهاز الكمبيوتر ضد محاولات اختراقها.
* توعية الشباب
بكيفية الاستفادة من الانترنيت في مجال دراستهم و مجال اهتمامهم و تحديد الهدف من
استخدامها.
* المراقبة
الدورية و المستمرة للطفل و تقديمه للدورات و المحاضرات التي من شأنها توضح عليه
اللبس و ترشده إلى منافع الانترنيت و تبعده عن مساوئها.
* تعريف الشباب
بخطر الإرهاب الإلكتروني و كيف يمكن أن يقعوا فريسة له دون علمهم.
كما أن هناك بعض الإجراءات المادية الواجب
اتخاذها للحد من ظاهرة الإرهاب الإلكتروني و التي تخص بالدرجة الأولى جهاز
الكمبيوتر حيث يجب:
01/ تشفير البيانات المهمة الموجودة
داخل الجهاز المتصل بالانترنيت.
02/ توفير برامج الكشف عن
الفيروسات لحماية البيانات و المعلومات الموجودة داخل الكمبيوتر.
03/ توفير نظام أمني كامل و
تحديثه في كل مرة.
خاتمة:
إن عالم الانترنيت عالم واسع
بمجالاته و ميادينه المتشعبة و المتداخلة، و هو عالم مشرق منير من جهة، و مظلم
غامض من جهة أخرى، و كل والج إلى هذا العالم يحتاج إلى يد منيرة تأخذه إلى بر
الأمان و تعطيه وجه الاستفادة الحقيقية من هذا العالم، و لعل أهم يد هي يد الولي و
يد المثقف و الخبير لذلك هم مطالبون ببسط النفس و النفيس من أجل توعية الشباب و
إرشادهم، كما أن الشاب مطالب بالحذر و الاستفسار قبل ولوج هذا العالم.
إرسال تعليق