مفهوم التغير الاجتماعي:
يقصد بالتغير الاجتماعي أنواع التطور التي تحدث تغييرا في النظام الاجتماعي و تؤثر في بناء المجتمع و وظائفه.
و على الرغم من أن مفاهيم مثل " التطور évaluation " و " التقدم régression " و " التغير changement " و " النمو développement" تبدوا مفاهيم متقاربة و متشابهة فإن كثيرا من علماء الاجتماع حرس على ضرورة التفريق بين مضامينها و رغم أنها مصطلحات مرتبطة ببعضها ارتباطا منطقيا غير أن الصعوبات التي واجهت علم الاجتماع في نظرية التطور أو النمو إضافة إلى تغيرات المناخ الفكري العام قد دفعت بالجميع إلى تبني مصطلح التغير الاجتماعي للإشارة إلى كل صور التباين التاريخي في المجتمعات الإنسانية و قد ساعد على انتشار مثل هذا المصطلح نشر كتاب التغير الاجتماعي ل " وليام أوجبيرت " عام 1922 م.
و كثمرة لعصر الاكتشاف في أوربا في القرن ال15 م و كذلك الصراع الذي بدأ يقوم منذ القرن 17 م بين الفكر اللاهوتي الكنيسي و الفكر العلمي كانعكاس لبدأ الثورة الصناعية و ظهور النظام البرجوازي، و قد تفتحت الأبواب أمام عصر التنوير في القرن ال18 م الذي ذهب أعوانه من فلاسفة و ثوريين إلى أن الإنسان قادر على تغيير ظروفه المادية و الروحية تغييرا ايجابيا أي نحو الأفضل بواسطة العقل و الجهد الإرادي الواعي بعيدا عن جبرية المصير المحتوم الذي ترسمه قوى غيبية من وراء ظهره ( النظرة الكنيسية ).
  و قد انبثقت عن هذه الثورة العقلية ثورة علمية وعملية و فلسفية كرست فكرة التطور و بالتالي حتمية التطور الاجتماعي الذي ظهر في جوانب عديدة من الحياة الاجتماعية منها التكنولوجية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية.
  لقد وجد على مسار التاريخ موقفان متعارضان من اتجاه التغير الاجتماعي: اتجاه متفائل و آخر متشائم.
ظهر الاتجاه الأول إلى العالم القائم بأنه أفضل العوامل الممكنة و أنه بالتغير يتبدل من حال إلى حال أفضل و هو أساس إسعاد البشرية و يمكننا في هذا الإطار أن نعطي مثال على ذلك الانقلاب الفاشي الذي حصل في الشيلي و الذي أدى إلى إسقاط حزب وطني ديمقراطي الذي كان يسهر على استغلال البلاد حيث ساهمت الزمرة العسكرية في تحقيق تغيرات جذرية في الكثير من القضايا الاقتصادية التي تسلطت عليها دولة فاشية تخدم الامبريالية.
بينما نظر الاتجاه الثاني التشاؤمي إلى الثبات و الاستقرار و المحافظة على الوضع الراهن أساس السعادة البشرية فالحياة في نظر هذا الاتجاه ليست خيرا كلها و ما فيها من الخير إنما يتحول بالتغيير من حال إلى حال أسوأ و يرتبط هذا الموقف المتشائم بالكوارث و الحروب والصراعات الاجتماعية القائمة، فالأشخاص الذين يحسون أن التطور قد تجاوزهم فكرا و عملا و يعجزون عن التكيف مع الأوضاع الجديدة يشعرون بالاغتراب الاجتماعي و ينعكس ذلك في تكوينهم النفسي في صورة تشاؤم عام من الحاضر و من المستقبل و ينطبق مثلا هذا على الأشخاص الذين يعجزون عن تفهم قوانين التطور الاجتماعي.
التعريف السوسيولوجي للتغير الاجتماعي:
عرف صـلاح العبـد التغيير الاجتماعي "بأنـه ظـاهرة طبيعيـة تخضـع لهـا نـواميس
الكـون وشـؤون الحيـاة مـن خـلال التفـاعلات والعلاقـات والتبـادلات الاجتماعية المسـتمرة والتي تفضي إلى تغير دائم(01).
كما يعرفه أحمد زكي بدوي: "أنه كل تحول يقع في التنظيم الاجتماعي سواء فـي
بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة، والتغيـر الاجتماعي علـى هـذا النحـو ينصـب على تغير يقع في التركيب السكاني للمجتمع أو في بنائه الطبقي، أو نظمـه الاجتماعية، أو فـي أنمـاط العلاقـات الاجتماعية أو فـي القـيم والمعـايير التـي تـؤثر فـي سـلوك الأفـراد والتي تحدد مكانتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها(02).
ويشــير عــاطف غيــث إلــى التغيــر الاجتماعي بأنــه: " التغيــرات التــي تحــدث فــي
التنظــيم الاجتماعي أي فــي بنــاء المجتمــع ووظــائف هــذا البنــاء المتعــددة والمختلفــة(03).
ويرى عاطف غيث كذلك أن التغيرات الاجتماعية تـأتي علـى أشـكال متعـددة منهـا التغيـر في القيم الاجتماعية والتي تؤثر بطريقة مباشرة في مضمون الأدوار الاجتماعية والتفاعـل الاجتماعي والتغير في النظام الاجتماعي أي في المراكز والأدوار الاجتماعية، كالانتقال مـن نظـام تعـدد الزوجـات إلــى نظـام وحدانيـة الـزوج والزوجــة ومـن الملكيـة المطلقـة إلــى الديمقراطية...الخ، والتغيـر فـي مراكـز الأشـخاص يحـدث ذلـك بحكـم التقـدم فـي السـن أو نتيجة الموت(04).
ويـــرى (جنزبيـــرج) أن التغيـــر الاجتماعي " هـــو كـــل تغيـــر يطـــرأ علـــى البنـــاء الاجتماعي فـي الكـل والجـزء وفـي شـكل النظـام الاجتماعي، ولهـذا فـإن الأفـراد يمارسـون  أدوارا اجتماعية مختلفة عن تلك التي كانوا يمارسونها خلال حقبة من الزمن(05).
ويعر "Guy rocher" التغيـر بأنـه: " كـل تحـول "Transformation" في البناء الاجتماعي يلاحظ في الزمن لا يكون مؤقتا سريع الزوال لدى فئات واسـعة مـن المجتمع ويغير مسار حياتها(06).
كمـا يمكـن تعريـف التغيـر أنـه عمليـة اضـطرارية ومسـتمرة للتحـول أو التعـديلات التي تطرأ على أنساق العلاقات الاجتماعية(07).
هــذا ويعتبــر كــل مــن جيــرث "Gerth" وملـــز "Mils" أن التغيــر الاجتماعي هــو
التحـول الـذي يطـرأ علـى الـنظم الاجتماعية، وقواعـد الضـبط الاجتماعي التـي يتضـمنها البناء الاجتماعي في مدة معينة من الزمن(08).
والتغير الاجتماعي كمـا يعرفـه روجـرز "Rogers": "هـو العمليـة التـي يحـدث مـن
خلالها تغير وتبديل البنيان والوظيفة الاجتماعية للنظم الاجتماعية"، وقد يحـدث ذلـك مـن
خــلال المخترعــات والمبتكــرات الجديــدة، ومنهــا مــا يحــدث بســبب الفيضانات، الحــروب والثـورات الداخليـة، كمـا تكـون عمليـة التغيـر الاجتماعي مخططـة أو غيـر مخططـة، وكمـا يـذكرها Roger يكـون مصدرها إما خارجي أو داخلي(09).[1]
خصائص التغير الاجتماعي:
01/  التغير الاجتماعي ظاهرة اجتماعية جماعية:
تمس كل المجتمعات فلا يخلو مجتمع من تأثيره.
02/  نسبي:
يحدث في كل مجتمع بمعدلات متفاوتة كما وكيفا.
03/  يمكن دراسته دراسة علمية:
مما يساعد في معرفة اتجاهات الظواهر الاجتماعية و التنبأ بمساراتها.
04/  مستمر:
يمكن اعتباره حافزا من حوافز استمرار الحياة و تقدمها.
عوامل التغير الاجتماعي:
01/ عوامل بيولوجية:
* أثر التفاوت الوراثي على التغير.
* أثر التفاوت بين الأفراد في الذكاء و الإمكانيات.
* أثر البيئة الصحية العامة على تطوره و نموه الاقتصادي و الاجتماعي.
* أثر الهرم السكاني على التغير الاجتماعي ( رجال، نساء، كبار، صغار، وفيات ..).
02/ عوامل ديمغرافية:
* الحجم السكاني.
* كثافة السكان في المناطق الجغرافية.
* التوزيعات المختلفة للسكان.
03/ العامل التكنولوجي:
* خروج المرأة من المنزل و إقحامها عالم الشغل.
* تغير النظام الطبقي و ظهور طبقات جديدة.
* التمايز الاجتماعي بين الطبقات العليا و الطبقات الدنيا.
* تغير نظام القيم بصورة عامة و ظهور قيم جديدة.
* ظهور عالم من البشر متميز هو العالم الثالث الذي يعتبر مستوردا و مستهلكا للتكنولوجيا.
* تغير الناس حيث أصبحوا أكثر برجماتية في سلوكهم.
  الكشوفات الجغرافية و تزامنها مع هذا الوضع :
- بدأت الاختراعات و الكشوفات تظهر في أوروبا و قاموا بثورة تكنولوجية في جميع المجالات حتى يسهلوا الحياة مثل: آلة الغسيل، السيارة، الهاتف النقال ...الخ.
و صاحب هذه التغيرات تغير السلوك و العادات و التقاليد و كانت التكنولوجيا نعمة و نقمة على العالم أجمع.
- خروج المرأة للعمل أدى إلى حدوث العديد من التغيرات فقد غزت المرأة كل القطاعات فأصبحت تعمل عمل الرجل بعدما كانت تقتصر على الإنجاب وتربية الأولاد ( المنزل ).
- ظهور الطبقات لم يكن متميز وظاهر و لكن مع بداية التغير بدأ تظهر الطبقات مثل: الطبقة البرجوازية، الأرستقراطية ( الرأسمالية )، و الطبقة العاملة و كانت توظف كل الفئات على أدنى الحقوق.
- التمايز كان ظاهرا فالطبقة العليا تملك كل شيء و الطبقة السفلى لا تملك شيئا.
- ظهور العالم الثالث الذي هو في مظهره عالم ثري في الموارد الطبيعية و لا يستطيع أن يساير التكنولوجيا لأن الاستعمار سلبه حريته و سلب منه التعليم و نشر فيه الجهل و الأمية و لهذا في أغلبه مستورد و مستهلك للتكنولوجيا.
- البشر أصبحوا لا يهتمون إلا بأنفسهم و انتشرت المحسوبية في كل العالم.
04/ العامل الإيديولوجي و السياسي:
إن لهذا العامل تأثير كبير في تغيير المجتمعات لذلك تولي القوى السياسية و السلطات الحكومية اهتماما كبيرا بهذا العامل الأمر الذي يجعلها تسخر إمكانات مادية واسعة لنشر أفكارها الإيديولوجية مثل: وسائل الإعلام و الصحافة و الإذاعة إلى جانب تسخيرها لعمليات التنشئة الاجتماعية و ذلك من أجل الاعتراف بأهمية دور الوعي في عملية التغير الاجتماعي سواء للمحافظة على الوضع القائم أو العامل على الإطاحة به و تغييره بوضع جديد.
و هناك الإيديولوجيا الثورية التي تحاول إيقاظ الوعي الشعبي تتزعمها فئات ثورية تسعى إلى تغيير المجتمع و تهدف إلى نشر الثقافة في صفوف الشعب و القضاء على الجهل.
و هناك عامل الحركات الاجتماعية التي تقوم بها جماهير كثيرة من أبناء الشعب الذين تكون لديهم طموحات للوصول إلى تغييرات إيجابية في المجتمع، وهذه الحركات غالبا ما يكون لها من أسلوب و قيم و تفكير اجتماعي تسعى من خلالها إلى تغيير الواقع و بناء مؤسسات جديدة و يمكن تحقيق ذلك عن طريق جمع شملهم ولف جماهير واسعة للتأثير على السلطة لتحقيق مطالبهم.
مصطلحات التغير الاجتماعي:
01/ التقدم:
استعمل كمرادف لكلمة التغير مع " كونت " و هو تقدم نحو الأحسن، حيث تكون كل مرحلة أفضل من سابقتها و يكون انتقال المجتمع إلى الأفضل من حيث " الثقافة، القدرة الاجتماعية، السيطرة على الطبيعة " و يعرف البعض على أنه العملية التي تأخذ اتجاها واحدا نحو الأمام، فهو فعل واع مخطط له و هو يختلف عن التغير الاجتماعي كون هذا الأخير يحتمل التقدم أو التخلف.
02/ التطور الاجتماعي:
هو النمو البطيء الذي يؤدي إلى تحولات منظمة و متلاحقة تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة و يعرفه معجم العلوم الاجتماعية على أنه العملية التي بموجبها تحقق المجتمعات الإنسانية نموا مستمرا مرورا بمراحل مترابطة، و هو ما نجده عند " سبنسر " إذ يرى أن تطور المجمع يكون حسب تطور الكائن العضوي و يسمي ذلك في كتابه " أصول علم الإجرام " بالمماثلة العضوية.
03/ التحديث (Modernization):
التحديث هو «استبدال الأسلوب التقني التقليدي وما يرتبط به من أنماط تتصل بحياة الأشخاص أو الجماعات أو المجتمعات، وذلك بأسلوب أكثر حداثة ومعاصرة»، بينما التغيّر أعم من ذلك، ويشمل الأخذ بالأسلوب التقني الحديث، أو العكوف على الأسلوب التقني القديم، أو النكوص إلى الأسلوب التقني القديم، فهو مفهوم عام يشمل التحديث والتقليد والتبعية وغير ذلك.
04/ التحضر (Urbanization):
يشير مفهوم التحضر «إلى عملية من عمليات التغيّر الاجتماعي، وهي انتقال الريفيين إلى المدن، واكتسابهم تدريجيًّا القيم الحضرية وما يرتبط بها من أنماط السلوك الحضري إلى أن تنتهي هذه العملية إلى ما يُسمّى بـ(التكيّف الاجتماعي)».
ويشير مفهوم (الحضرية) «إلى اكتساب الناس -وخاصة في الريف- لأساليب الحضر دون الانتقال إلى المدن»، أي التحول القيمي والثقافي دون التحول المكاني الجغرافي.
أما التغيّر الاجتماعي فهو يشمل انتقال الريفيين إلى المدن والعكس، واكتساب الناس لأساليب الحضر والعكس، «وهكذا، فالتحضر يصف جزءاً من عملية التغيير الاجتماعي».
05/ الثورة الاجتماعية (Social Revolution):
الثورة هي: «التغيير المفاجئ السريع بعيد الأثر في الكيان الاجتماعي لتحطيم استمرار الأحوال القائمة في المجتمع، وذلك بإعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي جذريًّا».
أما التغيّر الاجتماعي فقد يأخذ بالمنهج المفاجئ أو التدريجي، وقد يكون جذريًّا أو ترميميًّا، ومن ثمّ فالثورة نوع من أنواع التغيّر الاجتماعي.
06/ الإصلاح الاجتماعي (Social Reform):
وقد شاع في الأدبيات الحديثة تسمية التغيير الجزئي بـ(الإصلاح)، و(الإصلاح الاجتماعي)، و(العمل الإصلاحي)، و(العملية الإصلاحية)، وتسمية التغيير الكلي الشامل بـ (التغيير)، أو (التغيير الجذري) أو (التغيير الشمولي)، ومن ثمّ فالفرق بينهما يكمن في المساحة التي يحتلها فعل التحويل والتبديل (كلية/ جزئية)، وفي عمق عملية التحويل (جذرية/ ترميمية).
07/ التخلف الاجتماعي (Retrogression (Social:
هو حركة المجتمع السلبية نحو الوراء، وسيره نحو الأسوأ، بينما التغيّر الاجتماعي قد يكون نحو الأسوأ، وقد يكون نحو الأفضل، ومن ثمّ فهو مفهوم أكثر شمولية وتعميماً، وبذلك يغدو التخلف نوعاً من أنواع التغيّر الاجتماعي.
08/ التراجع الاجتماعي (Retardation (Social:
وهي عملية سير اجتماعي نحو الوراء، وتتضمن عملية الحركة القهرية إلى صور النكوصية سابقة كان عليها المجتمع في زمن سابق، فهي عملية مقابلة للتقدم، وبذاك يكون التراجع -شأنه شأن التقدم- صورة من صور التغيّر الاجتماعي.
09/ التردي الاجتماعي (Regression (Social:
وهي عملية هوي وسقوط وهبوط وانحدار من أعلى إلى أسفل، وهي تفترض كون المجتمع في صورة (أعلى)، ثم الانحدار والتدهور والانحطاط، ولا تعني كلمة (أعلى) بالضرورة كونه في مستوى إيجابي، وإنّما هي مقارنة ونسبة تحكي التفاضل بين مستويين، يشهد المجتمع في الصورة السابقة له مستوى أفضل مما يؤول إليه حاله، وقد تكون تلك الصورة السابقة (عالية فاضلة)، يتردى المجتمع بعدها إلى أسفل، أو تكون صورة (سافلة متردية)، ثم يتردى إلى ما هو أشدّ منها.
أما التغيّر الاجتماعي فقد يكون ترديًّا وانحداراً، وقد يكون تساميًّا وارتفاعاً، أي أنّه أعم من التردي.
10/ النمو الاجتماعي:
يقصد به نمو المجتمع أو نمو السمات الفردية بما يتفق مع الأنماط الاجتماعية المقررة و البيئة الاجتماعية.
حسب " سبنسر " النمو ظاهرة مشتركة بين المجتمعات و الأجسام العضوية لكننا لا يمكننا  إرجاع النمو الاجتماعي إلى النمو العضوي إلا في عمليتين:
* عملية نمو المعرفة.
* في  حالة نمو سيطرت الإنسان على البيئة و التي تظهر في التكنولوجيا و الاقتصاد.
حسب " بوتومور " النمو الاجتماعي أكثر تعقيدا من النمو العضوي فنستطيع القول:
نمو دخل الفرد متوسط
النمو الاقتصادي  لدولة ما في سنة معينة
 لكن لا نستطيع القول:
نمو النظام أو نمو الأدوار .
الفرق بين النمو و التغير:
النمو
التغير
* يشير النمو إلى الزيادة الثابتة و المستمرة في جانب واحد.

* النمو بطيء و تدريجي.
* النمو يتغلب عليه التغير الكمي.
* النمو عملية تلقائية.
* النمو يسير وفق خط مستقيم يمكن التنبؤ بنا يؤول إليه.

* التغير يشير إلى التحول في البناء الاجتماعي و النظام و الأدوار و قواعد الضبط و قد يكون ايجابيا أو سلبيا.
* التغير سريع و مفاجئ.
* التغير كيفي لأنه يتعلق بالجانب المعنوي.
* التغير عملية موجهة و مقصودة أحيانا.
* التغير لا يكون سيره مستقيم و لا يمكن التنبؤ به أحيانا.


مظاهر التغير الاجتماعي:
01/ ظهـور ظـاهرة العولمة وما رافقها من ثورة معلوماتية: حيـث أحـدثت تغيـرا فـي المواقـف والاتجاهات والقـيم الإنسانية لدى أفراد المجتمع(10)، وجعلت العالم أكثر اندماجا، وجعلـت التحـولات سـريعة وهـي التــي ســـاهمت فــي انتقـــال المفــاهيم والقناعـــات والمفــردات والأذواق  فيمـــا بــين الثقافـــات والحضارات وهي التي نقلت العالم من مرحلة الحداثة إلى مرحلة ما بعد الحداثـة وبالتـالي دخوله إلى عصر العولمة.
إن ثــورة هذه التغيــرات كــان لهــا دور فــي تغيــر الثقافــة الموروثــة للمجتمعــات و أن ثورة المعلومات والاتصال قد أثرت وستؤثر في حياة الأفـراد وهـي اليـوم مـن أهـم العوامـل التـي تعقد تشكيل خبرات وثقافة وأذواق وسلوكيات الأفراد والمجتمعات(11).
   وهذا ما أكده عويدات حيث يقول: "لقد ترتب على هذه الثـورة المعلوماتيـة حـدوث
تغيـر اجتماعي متسـارع فـي القـيم والمعـايير والمؤسسـات والعلاقـات الاجتماعية و الانفتاح الإعلامـي الثقـافي الحضـاري العـالمي بفضـل وسـائل الإعـلام السـريعة"(12)، وتقـف الأسـرة  العربيــة حــائرة بــين المحافظــة علــى الثقافــة الموروثــة وبــين الثقافــة الغربيــة الناجمــة عــن العولمــة والمعلوماتيــة التــي غــزت العــالم بمــا تكملــه مــن تقنيــات متطــورة وأســاليب إغــواء متحدية بذلك الخصوصيات مهما كانت وأينما وجدت. فمن المتفق عليه أن أي مجتمع إنساني له خصوصياته الثقافية بحكم تاريخه الاجتماعي الفريد والذي لا يمكن أن يتكرر، فهي أشبه بالبصمة الثقافية المنفردة كما أن أي منطقة حضارية لهـا خصوصـيتها المميـزة مثــل المنطقــة العربيــة. إلا أن العولمــة تطمــح إلــى صــياغة ثقافــة كونيــة شــاملة تغطــي مختلف جوانب النشاط الإنساني وتكون ما يسمى بالقواعـد الأخلاقيـة الكونيـة والتـي تركـز على حرية السياسية التعددية الفكرية واحتـرام حقـوق الإنسـان تقبـل الآخـر، وتعمـل وسـائل الاتصــال علــى زيــادة التفاعــل الثقــافي علــى المســتوى العــالمي إلا أن الــدول التــي تمتلــك القدرات التكنولوجية سوف تملك القدرة على بث ونشر الرسائل الإعلامية الثقافية بكـل مـا فيهـا مـن قـيم وقـد تحمـل فـي بعـض الأحيـان غـزوا ثقافيـا قـد يهـدد الخصوصـيات الثقافيـة لهذه المجتمعات.

02/ ضـعف الـروابط الأسـرية والتواصـل الأسـري:

حيـث تشـهد الأسـرة العربيـة مزيـدا مـن التفكـك بسـبب تراجـع سـلطة الوالـدين فـي السـيطرة علـى ضـبط سلوك الأبناء. فعلاقة الآباء بالأبناء وعلاقة الرجل بالمرأة كانت تحدد على أساس النظام الأبوي والذي يتمثل في هيمنة الرجـل علـى المـرأة وهيمنـة الكبـار علـى الصـغار بمـا يعنـي توزيعا هرميا للسلطة على محوري الجنس والسن...
وتمثل قيم الشرف والاحتشام والجماعية والطاعة عناصر أساسية في هذا النظـام
وتتصل قيمة الشرف بسلوك الفرد ولكنها لا تقتصر عليه بل تمتد لتشمل العائلة كجماعـة
تتوحـد فيهـا المسـؤولية وتتماثـل فيهـا الـذات مـع الجماعـة، وعلـى وجـه التحديـد تـربط هـذه القيمـة سـلوك المـرآة بشـرف الرجـل(13)، فهـذه القـيم تلاشـت وتغيـرت النظـرة إلـى المـرآة مـن خــلال وســائل الإعــلام مــن أجــل تســويق المنتجات وجنــي الأربــاح وقــد وافــق ذلــك كلــه تهمـــيش متعمــــد مـــن قبـــل الإعـــلام لصــــورة المـــرآة المثقفـــة العاملـــة، والمنتجـــة، المربيــــة والمناضلة.
ومــن أهــم نتــائج التــي توصــل إليهــا الباحــث "عــدلي رضــا " أن القــيم الاجتماعية حـب السـلبية التـي حملتهـا الأم فـي المسلسـلات هـي: التبـاهي والمظـاهر والنظـرة الماديـة
للحيــــاة، وربــــط الــــزواج بالمصــــالح الماديــــة والشخصــــية، وربــــط العلاقــــات الاجتماعية بالمصالح، كما تراجعت وتغيرت القـيم الأصـلية فـي الأسـرة العربيـة لتحـل محلهـا قـيم ذات صـبغة نفعيـة برجماتية، وهـذا مـا أكدتـه الكثيـر مـن الدراسـات العربيـة لـدى الشـباب حيـث أظهر تفضيلا لقيم مثل النفعية وقيم الربح والكسب وقيم الاستهلاك.
كمــا تــأخر ســن الــزواج عنــد الأبنــاء و إلــى حــين إتمــام دراســتهم والحصــول علــى وظيفة وتـأمين البيـت واسـتئجاره أو بنائـه، كمـا أن القيمـة الاجتماعية اليـوم للشـباب ليسـت بالزراعــة والمســاحات الأرضــية مــن المواشــي، ولكــن بمــا يحصــله الواحــد مــنهم مــن علــم وشـهادات ومـا يملكـه مـن رصـيد بنكـي(14)، فأصـبح الأفـراد يقيسـون بعضـهم الـبعض أساس حجم ثروتهم وممتلكاتهم المادية، وعليه فنوع اللباس والسـيارة وقيمـة المنـزل وتأثيثـه هي معايير مهمة جدا لكسب مركز محترم في أعين الآخرين(15).
كمـا ظهـر الانحراف الأخلاقـي والسـلوكي لـدى الشـباب فـي ظـل ضـعف الـوازع
الديني والأخلاقي، وضعف سلطة الأبوية، فقد ظهرت على الأسرة العربية ظـواهر جديـدة
كالســرقة والانحلال الخلقــي والاعتداء والســطو وتعــاطي المخــدرات...الــخ.

 كما ظهرت في نهاية هذا القرن في مؤتمر السكان بالقاهرة ومـؤتمر بكـين مفـاهيم
جديدة للأسرة، فقد أقروا البناء الأسري القائم على الرابطة الزوجية أو بدونه وأقروا الـزواج القـائم بـين الرجـل والمـرآة أو بـين الرجـل والرجـل، أو بـين المـرآة والمـرآة، وقـد عمـل هـذان المــؤتمران علـــى إطفـــاء أكبـــر قـــدر مـــن الشـــرعية والحمايـــة لمثـــل هـــذه العلاقـــات الشـــاذة والاعتراف بهــا كــذلك عمــلا علــى تعزيــز المصــطلحات المســتخدمة فــي هــذا النــوع مــن الدراســات لمســخ القــيم التــي تمثــل خصوصــية المجتمــع والتــي هــي نابعــة مــن الإســلام والإتيـان بـأخرى بديلـة لهـا مقاصـد مختلفـة، فمـثلا إن هـؤلاء الـذين يرفضـون فكـرة الـزواج ويفضــــلون حريــــة العــــيش الثقــــافي أصــــبحوا يلقبــــون بالأشــــخاص المتفــــردين، والفتيــــات الصـغيرات آلائي يمارسـن الجـنس منـذ الطفولـة ويحملـن فـإنهن يتمـتعن بقـدر مـن الاحترام والرعاية ويلقبن بالمراهقات الحوامل، أما من تتزوج زواجا شرعيا وهي في مثـل هـذا السـن فــإن هــذا الــزواج يلقــب بانتهــاك الطفلــة الأنثــى ومــن مظــاهر التغيــر انتقــال الأفــراد مــن
المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية والتي فيها الاتصالات بـين الأفـراد تقـل وتحـد مـن إمكانيــات كــل فــرد معرفــة الآخــر شخصــيا، فالاعتماد علــى الــنفس صــفة تميــز ســكان المناطق الحضرية، وضـعف العلاقـات الوديـة يـؤدي إلـى إضـعاف الضـبط الاجتماعي التقليـدي فـي المنطقـة الحضـرية وبالتـالي تتغيـر كثيـر مـن القـيم لـدى الأفـراد بمجـرد انتقـالهم مـن الريـف إلى الحضر كما تكثر الانحرافات السـلوكية والجريمـة، والقطيعـة مـع التقاليـد والـذي يـؤدي علـى عـدم الاستقرار الثقـافي والتعـرض إلـى المعـايير الاجتماعية المتناقضـة.

ومن مظاهر التغير أنـه أتـاح المجتمـع الصـناعي الحـديث والتقنيـة الحديثـة الفرصـة أمـام المـرآة للالتحاق بالعمـل خـارج البيت والمساواة بالرجل والحصول على أجر نظير هذا العمل بعدما كانت المرآة التقليديـة إمـا ماكثـة بالبيــت أو تعمـل فـي الزراعــة لتسـاعد زوجهـا أو تعمــل عمـل حرفـي كــالطراز والخياطـة وهـي فـي بيتهـا، فكانـت القـيم السـائدة أن تتفـر غ الزوجـة لرعايـة الـزوج والمنـزل والأولاد، وخروج المرآة على العمل كان له تـأثير علـى الحيـاة الزوجيـة والعلاقـات الأسـرية وتـأثر الأبنـاء بعمـل المـرآة فـي العصـر الحـديث. "كمـا فـتح التحـاق المـرآة بالعمـل أمامهـا مجــــالات واســــعة مــــن النشــــاط الاجتماعي وأحــــدث تغييــــرات هامــــة فــــي مكانتهــــا فــــي المجتمع.
فأخر عمل المرآة عدة تغيرات منها إرسال الأولاد على دور الحضانة والاستعانة
بالخدامات، واستخدام الأدوات المنزلية الحديثة، والعمل علـى تنظـيم النسـل، والإقـلال مـن
الزيـارات العائليـة واسـتقبال الضـيوف مـن أهـل الـزوج والأقـارب بسـبب عـدم تواجـدها فـي البيت في أغلب الأوقات، وطرح مشاكل جديـدة كالصـراع الظـاهر أو المسـتتر بـين الـزوج والزوجــة علــى الســيادة والميزانيــة و الادخار ومعاملــة الأطفــال والصــلة بالنســق القرابــي وتمضيه وقت الفراغ وغير ذلك من المسائل التي طرحها وأفرزها التغير الاجتماعي.
وقـد أدى خـروج المـرآة علـى العمـل والـتعلم إلـى أن تنـزع اللبـاس التقليـدي وتقتنـي
ألبسـة تواكـب العصـر والموضـة وهـذا مـا جعـل كثيـر مـن النسـاء يصـرفن جـزء كبيـر مـن رواتـــبهم علـــى أدوات الزينـــة والملابـــس الغاليـــة فأصـــبحت كثيـــر مـــن الأســـر تتبنـــى قـــيم الاستهلاك بــدلا مــن قــيم الإنتــاج، إلاّ أن هــذه الظــاهرة لا نســتطيع أن نعممهــا علــى كــل النســاء لأن كثيــرات مــنهم خــرجن إلــى العمــل لأنهــن كــن مضطرات لأن تعملــن بعــدما أصبحت العائلة الكبيرة لا تتكفل بهن في حالة موت الزوج أو الطـلاق أو الفقـر، لأن قـيم التكافل الاجتماعي أصبحت شبه معدومة في زمان العولمة والانترنت.
ولقـــد انعكســــت هـــذه التغيــــرات التـــي تعرضــــت لهـــا المجتمعــــات العربيـــة عامــــة على مجموعة من العوامل المتداخلة والمتشابكة والتي أحدثت تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافيـــة، فضـــلا عـــن تأثيراتهـــا الواضـــحة فـــي بنيـــة الأســـرة باعتبارهـــا مـــن أهـــم الـــنظم  الاجتماعية خاصـة فـي مجـال التنشـئة الاجتماعية و إعـداد الأجيـال القادمـة وفـي أسـاليب التنشئة الاجتماعية وهذه التغيرات التي تعرضت لها المجتمعـات العربيـة خاصـة الأسـرة 
لـم تكـن فقـط تغيـرات علـى المسـتوى الخـارجي المـادي وإنما على  مستوى القيم الاجتماعية.
عوائق التغير الاجتماعي:

العوائق الاجتماعية:
هناك عوائق اجتماعية عددية تقف أمام التغير الاجتماعي وتظهر بوضوح لدى المجتمعات التقليدية أكثر منها في المجتمعات الحديثة وأهم العوائق الاجتماعية مايلي:
الثقافة التقليدية :  يرتبط التغير الاجتماعي إلى حد كبير بثقافة المجتمع السائدة، فالثقافة التقليدية القائمة على العادات والتقاليد والقيم بوجه عام، لا تساعد على حدوث عملية التغير الاجتماعي بيسر فالعادات والتقاليد التي تميل إلى الثبات تقاوم التغير وكل تجديد سواء كان ماديا أم معنويا ، وكلما سادت هذه الثقافة وانتشرت كلما كانت المقاومة اشد وأقوى.
فالأيديولوجية المحافظة التي تتبنى فلسفة تقديس القديم على أنه " ليس بالإمكان أفضل مما كان " تؤدي إلى مقاومة كل جديد ، وتسود مثل هذه المعتقدات خاصة عند كبار السن الذين عايشوا أوضاعا مختلفة عن الأوضاع الحالية مما يؤدي إلى الجهل بالتجديد والتحديث عامة وقديما قيل :" من جهل شيئا عاداه". "
وقد بين (وليام أوجبرن) أن النزعة المحافظة عند كبار السن والميل للمحافظة على القديم واستاتيكية – ثبات – العادات والتقاليد كلها متغيرات تقاوم التجديد المادي والتغير بوجه عام. مثال : جوع الهندوس بسبب تقديسهم الأبقار، وكتعطيل دور المرأة في المجتمع من شأنه أن يعيق عملية التغير الاجتماعي ففي المجتمعات ذات الثقافة التقليدية ترتفع نسبة الأمية لدى النساء حيث تصل إلى أكثر من 90% الأمر الذي يحد من فاعلية المرأة وتهميشها في عملية التنمية الاجتماعية ومن الجدير بالذكر أن المرأة في المجتمعات العربية من الفئة المضطهدة بالإضافة إلى فئة الأطفال والفقراء.
طبيعة البناء الطبقي:  لطبيعة البناء الطبقي في المجتمع الأثر الكبير في قبول أو رفض التغير الاجتماعي فالنظام الصارم للطبقات الاجتماعية يعيق عملية التغير الاجتماعي لأن التفاعل فيها يكون محدوداً نتيجة للانغلاق الطبقي فالنظام الطبقي المغلق يحد من درجة التغير كما هو في الهند وباكستان، حيث أن النظام يحدد نوع المهنة التي تكون مفروضة
على فئات معينة في المجتمع فنظام الطبقات في الهند تفرض يحدد المهن التي يجب أن يتبعها أفرادها وتنتقل بفعل عامل الوراثة وليس بموجب الكفاءة ويكون الميل نحو تعزيز الطرق القديمة التقليدية والالتزام بها أي أن التماسك الطبقي يحد من عملية التنقل الاجتماعي الذي يكاد يعم في المجتمعات النامية اليوم.
الميل للمحافظة على الامتيازات :  تظهر المقاومة للتغير من قبل الأفراد الذين يخشون على زوال مصالحهم تلك المصالح التي قد تكون في المكانة الاجتماعية أو الامتيازات الاقتصادية أو الاجتماعية أو غير. ذلك لهذا حينما يشعر أولئك الأفراد بأن امتيازاتهم مهددة بالزوال نتيجة للتجديد، سرعان ما تقوم المعارضة، وأمثلة ذلك عديدة في المجتمعات ( كالطبقة الرأسمالية، والأحزاب السياسية، والعمال اليدويين....الخ)..
وتظهر المقاومة بوضوح في ميادين عديدة في أنماط الحياة المختلفة السياسية والاقتصادية والعلمية، وغالباً ما تكون هذه المقاومة نتيجة الجهل والخوف على المصالح المستقرة وبطبيعة الحال تكون المقاومة قوية كلما تعرضت تلك المصالح إلى تغيير كبير.
: العوائق الاقتصادية
تأتي مقاومة التغير نتيجة للعوامل الاقتصادية المختلفة، فالمجتمعات تختلف فيما بينها حسب تنوع هذه العوامل وبالتالي تختلف درجة التغير الاجتماعي.
فالتجديدات التكنولوجية المستمرة تؤدي إلى التغير السريع كما هو حادث في المجتمعات الصناعية المتقدمة وكذلك فإن نشاط حركة الاختراعات العلمية المستمرة من شأنه أن يؤدي إلى سرعة التغير، وهناك متغيرات عديدة تتعلق بالموارد الاقتصادية المتاحة، وبالقدرة الشرائية للمواطنين وغير ذلك ، وهي عوامل تلعب دورا مؤثرا في عملية التغير الاجتماعي ومن أهم هذه العوامل:
1/ ركود حركة الاختراعات والاكتشافات العلمية:  وذلك نتيجة لانعدام روح الابتكار والتجديد وتعود إلى عوامل فرعية كثيرة منها : (انخفاض المستوى العلمي، والمستوى الاجتماعي بوجه عام، وعدم وجود الحاجة الملحة الدافعة للاختراع) مع ملاحظة أن الشعور بالحاجة وحده لا يكفي للاختراع، إذ لا بد من توفر المستوى العلمي .
والتكنولوجي، فهناك مجتمعات في أمّس الحاجة إلى اكتشاف ثرواتها من معادن وبترول وغير ذلك ، إلا أن قصور المستوى التكنولوجي يحول دون الانتفاع بهذه الثروات الطبيعية وغيرها من أجل تحقيق التغير المطلوب نحو التقدم والتنمية ولهذا لا دب من تور الشروط التكنولوجية ، بالإضافة إلى المناخ الثقافي الملائم ، لكي يصبح الاختراع ممكنا.
ومن البديهي أن شروط الاختراع تتطلب وجود الشخص القادر والإمكانات اللازمة ، والبيئة الاجتماعية الملائمة، فأي اختراع جديد لا يجد طريقة في المجتمع، لن يؤدي إلى الهدف الذي قام من أجله ، ولهذا فالذكاء لدى المخترع لا يكفي وحده ما لم يتوفر له المناخ الاجتماعي الملائم. والدليل على ذلك أنه تسود أحيانا معتقدات مختلفة داخل المجتمع تمنع انتشار الاختراع أو الاكتشاف الجديد، وقد بين (نمكوف) أن الاختراعات تعتمد على : القدرة العقلية . / الحاجة للاختراع . / المعرفة القائمة.
ولهذا فإن القبول الاجتماعي يعتمد على طبيعة الاختراع من حيث الملائمة والتكلفة، وعلى مكانة المخترع، وثقافة الفرد المستقبل للاختراع، كل ذلك له أكبر الأثر في انتشار الاختراع الذي يؤدي بدوره إلى التغير الاجتماعي.
ولذلك فإن إتاحة الفرصة أمام أصحاب المواهب ورعايتهم وتوجيههم يؤدي لتحقيق الاكتشافات والاختراعات العلمية المتنوعة وأن توفير الأدوات والمواد اللازمة مع معامل مخبرية وأدوات تكنولوجية وغير ذلك، من شأنه أن يشجع البحث العلمي مما يزيد في الاختراعات ويعمق فائدتها لدى المجمع.
إن نقص الإمكانات الاقتصادية اللازمة يحول دون تقدم الاختراعات وبالتالي إعاقة عملية الاختراعات.
02/ التكلفة المالية:  في كثير من الحالات يرغب الأفراد في امتلاك المخترعات التكنولوجية إلا أن ارتفاع تكلفتها المالية يحول دون تحقيق ذلك أي أن توفر الرغبة لا يكفي، ما لم تتوفر القدرة المالية التي تسمح بالاقتناء.
إن كثيرا من الأفراد يرغبون في اقتناء الآلات الكهربائية والوسائل المادية الحديثة، غير أن عدم وجود القدرة المادية يمنع من تحقيق تلك الرغبات.
ويرتبط الموقف تجاه التجديد بمدى الفائدة الاقتصادية المتوقعة منه ، من ناحية عامة ، فكلما تحققت فائدة أعلى كلما كان الإقبال أعم وأشمل،، وقد أشار (روجرز) بأن قبول التجديد (التغير) لدى الريفيين يتم إذا تحققت فائدة تتجاوز 10 % أما دون ذلك فلا يؤخذ بالتجديد من ناحية عامة.
03/ محدودية المصادر الاقتصادية:  بحيث يعيق ذلك عملية التغير الاجتماعي، فالمجتمعات التي لا تتوفر فيها الثروة المعدنية الو البترولية أو الطبيعية، لا تحدث فيها تغيرات اجتماعية كبيرة، بسبب قلة التراكم الرأسمالي وانخفاض معدل الاستثمار بها.
ما سبق هو بخلاف الوضع في المجتمعات الصناعية المتقدمة، ذات الموارد الاقتصادية العالية التي تقود عملية التغير الاجتماعي وتجعله في غاية السهولة.
وقد وصف (ج.البرتيني) الاقتصاد المتخلف بثلاث خصائص:
أنه اقتصاد تقليدي: من حيث الآلات وقلة الإنتاج.
أنه اقتصاد تابع: بمعنى أنه يعتمد على الاستيراد من الخارج، بسبب عدم كفاية إنتاجه.
يتميز باقتصاد الشركات المتعددة الجنسيات التي تخدم مصالحها الخاصة، وتصدير أرباحها إلى خارج البلد النامي... الخ.
وعموما يؤدي نقص الموارد الاقتصادية إلى محدودية عملية التغير الاجتماعي.
: العوائق الإيكولوجية
للبيئة الطبيعية ( الإيكولوجيا) تأثير واضح على المجتمعات سواء أكان إيجابيا أم سلبيا، فالبيئة الطبيعية من مناخ وسهول وجبال وانهار وحرارة وبرودة ...الخ، تؤثر في تكوين حضارة المجتمعات. فالحضارات البابلية والآشورية والفراعنة قامت حول المناطق الغنية، خاصة حول ضفاف نهر النيل أو في الهلال الخصيب. فكان ليسر الحياة وغناها الأثر الكبير في إقامة الحضارات السابقة وغيرها.
وعلى العكس فقد كان شح الموارد الطبيعية دور في إعاقة عملية التغير الاجتماعي، وبناء حضارة كبيرة، فالعزلة الطبيعية التي تعيشها المجتمعات نتيجة لإحاطتها بالصحراء أو بمناطق جبلية وعرة المسالك، أعاق ذلك من اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى
فللعزلة ووعورة الطرق والطبيعة بالإضافة إلى عوامل اقتصادية وسياسية في المقام الثاني دور في اختلاف بعض المجتمعات المتجاورة في التغير الاجتماعي والحضارة.
لكن بدأت تأثير وطأة الطبيعة على تغير بعض المجتمعات خاصة بعد ثورة المواصلات والتقدم التكنولوجي وغيره.
وتلعب العوائق الاقتصادية مع عوامل أخرى دورا في تكوين الانغلاق الطبقي، والى ثبات العادات والتقاليد، وركود حركة الاختراعات والتجديد وما إلى ذلك.
وانطلاقا مما سبق تكون عملية التغير الاجتماعي بطيئة وغير واعية، وبالمقابل فإن سهولة اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى، يؤدي إلى تفاعل اجتماعي واسع، وهذا ما يطلق عليه عملية (الانتشار الثقافي).
: العوائق السياسية
تعيش المجتمعات أوضاعا سياسية متباينة، بحيث تؤثر تلك الأوضاع في عملية التغير الاجتماعي إيجابيا وسلبياً. ويمكن تقسيم العوائق السياسية إلى قسمين: (عوائق سياسية داخلية، و عوائق سياسية خارجية).)
أولاً: العوائق السياسية الداخلية: ومنها:
01/ ضعف الأيديولوجيا التنموية:  تخضع عملية التغير للسياسة الداخلية للدولة للأيديولوجيا التي تتبناها الدولة. فالأيديولوجيا غير الواضحة أو المترددة، تنعكس على السياسة والنهج التنموي للدولة، فخطط التنمية تصاغ في إطار أيديولوجي سياسي، إعدادا وتطبيقا وإشرافا.
وعدم أخذ بعض السياسات بالتخطيط التنموي والاجتماعي، يؤدي إلى بطء التغير، وذلك لقصور إدراك بعض السياسيين لعملية التنمية، أو لعدم وضوح الأيديولوجيا التنموية لديهم.
02/ تعدد القوميات والأقليات داخل المجتمع:  حيث أن أي تغير اجتماعي قد يتعرض مع مصالح بعض القوميات أو الأقليات في المجتمع، مما يجعلهم يعارضون فكرة التغير، في حين أن المجتمعات المتجانسة تكون عملية التغير فيها أفضل وأسهل، بسبب تقبل عملية التغير الاجتماعي.
03/ عدم الاستقرار السياسي: بحيث يؤدي إلى صرف جهود الدول إلى إعادة استتباب الأمن ، وتنمية المجتمع. كما أن عدم الاستقرار السياسي يؤدي إلى هجرة العقول المبدعة نحو الخارج، مما يحرم بلدانهم من جهودهم، أو قد تكون داخل بلدانهم لكن كقوى معطَّلة، لا تسهم في تحقيق التغير الاجتماعي.
ثانياً: العوائق السياسية الخارجية: وهي في الغالب مفروضة من خارج المجتمع ومنها:
01/ السياسة الإمبريالية(الاستعمارية):  من المعلوم أن القوى الاستعمارية تحارب كل تغير إيجابي قيد يحدث في البلدان التي تستعمرها، كما أن تلك القوى الاستعمارية تفرض سياسة تتلاءم مع وجودها، وهي سياسات تناقض مصالح الشعوب المقهورة، هذا فضلا عن فرض ثقافتها وحضارتها ، والعمل على تفرقة أبناء المجتمع، وإثارة الحروب الداخلية. الأمر الذي يعيق عملية التغير الاجتماعي.
02/ الحروب الخارجية:  فالحروب الخارجية تستنزف موارد مادية هائلة يكون المجتمع في حاجة ماسة إليها من أجل إحداث التنمية. بالإضافة إلى تدمير الحروب الموارد البشرية والمادية، مما يدخل البلدان المتحاربة في مشاكل اجتماعية واقتصادية، تشغلها عن النهوض بمستوى معيشة أفرادها، وتقود تلك البلدان إلى التخلف في نهاية الأمر.
عوائق التغير منقول من منتديات انتساب ( العضو مشتاقلك يابوي )



[1] ) إبراهيم العسل، الأسس النظرية والأساليب التطبيقية في علم الاجتماع، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،
بيروت، لبنان 1997، ص .75.
02) أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، انجليزي فرنسي عربي، مكتبة لبنان ساحة رياض الصلح، بيروت 1982، ص382 .
03) محمد عاطف غيث، التغير الاجتماعي والتخطيط، دار المعارفـ ط 2 القاهرة، 1966، ص .11 25.
04) محمد الدسق، التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق، مرجع سبق ذكره، ص .12 18.
05) أحمد النكلاوي، التغير والبناء الاجتماعي، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة 1968، ص .13 8.
06) Guy Rocher, le changement social, Introduction à la sociologie générale, Ed H.M.H.Paris 1968, p19.
07) السيد عبد العاطي السيد، المجتمع والثقافة والشخصية، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، بدون سنة، ص .15 83.
08) أحمد النكلاوي، مرجع سبق ذكره، ص 8.
09) محمد عمر الطنوبي، التغير الاجتماعي، مرجع سبق ذكره.
10) ماجد الزيود، الشباب والقيم في عالم متغير، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان الأردن، ط2006 ،1، ص .49 53.
11) حسن سمير، الثورة المعلوماتية عواقبها وآفاقها، مجلة الجامعة دمشق، المجلد 18، العدد2002 ،1، ص 234.
12) ماجد الزيود، الشباب والقيم في عالم متغير، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان الأردن، ط2006 ،1، ص 75.
13) ثريـا التركي، وهدى زريق، تغير القيم في العائلة العربية، مجلة المستقبل العربي، يصدرها مركز الدراسات الوحدة
العربية، عدد 200 أكتوبر 1995، ص .90.
14) سلام حلاب، بعض ملامح التغير الاجتماعي الثقافي في الوطن العربي، مجلة الحداثة العدد 3، و4، السنة الأولى، 58 بيروت، 1994، ص 188 .
15) علي مانع، جنوح الأحداث والتغير الاجتماعي في الجزائر المعاصرة، دراسة في علم الإجرام المقارن، ط1، ديوان
المطبوعات الجامعية الجزائر، 2002، ص 188 .

 
Top