0
https://crimedz.blogspot.com/




مقدمة:


      العولمة ظاهرة تاريخية قديمة نتجت عن التطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات، وتعززت اليوم في ظل التقدم التكنولوجي، وثورة المعلومات، والاتصالات، معتمدة على أعمدة رئيسية هي منظمة الجات، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والشركات متعدية الجنسيات، بالإضافة إلى منظمات أخرى، وهي تحاول توحيد ثقافة المجتمعات، وحصرها في نمط ثقافي واحد متمثلاً في النمط الثقافي الأمريكي، غير أن ذلك يواجه صعوبة ومقاومة من قبل المجتمعات الأخرى، وخاصة المجتمعات ذات الثقافة المغايرة، ومنها الثقافة العربية  الإسلامية ممثلة في الهوية العربية.

وبما أن خطر العولمة – أي في مجالها السلبي – يظهر في المجال الثقافي، كونها تتدخل مباشرة في صياغة الفكر والقيم، وتؤثر بالتالي في السلوك الإنساني، ولهذا يصعب تجاهلها، الأمر الذي يتطلب الوعي بمفهومها، وأبعادها السلبية والإيجابية، وآثارها على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، فهي تحمل تحدياً حقيقياً لهوية الإنسان العربي، وكينونته الحضارية، وخصوصاً في ظل ضعف النتائج التنموية الحالية للأقطار العربية من جهة، و من جهة أخرى ما تمتلكه ظاهرة العولمة من الإمكانات المادية والفنية للانتشار، وهي مشروع تسعى الدول الصناعية على تنفيذه وتحقيقه وتعميمه على العالم بأسره.
ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية ألجات، ومنظمة التجارة العالمية تتطلب إلغاء الفوارق بين المستويات المتباينة: الاقتصادية والسياسة والثقافية بين المجتمعات، وتكسب العولمة بنيتها مخترقة حدود الدول لتخلق شبكة تفاعلات متبادلة بين مجتمعات العالم.
وهناك من يرى تراجعًا للثقافة للمجتمعات بسبب الاختراق الكاسح للعمليات الاقتصادية، والإعلامية، والثقافية للعولمة، حيث أصبح الاختراق يهدد منظومة القيم الأصلية، ويشكل نوعًا من الازدواجية التي تجمع فيها تناقضات الأصالة والمعاصرة، مما يؤدي إلى تهميش أو تغيير ملامح الثقافة الوطنية.
هذا وقد أصبحت الهوية الثقافية مهددة بالتغير والتشويه نتيجة دخول العولمة، وسيطرتها على المجالات المختلفة للمجتمعات، لذا يصبح من الضروري الاهتمام بحماية الهوية الثقافية الوطنية، والتأكيد على ثوابتها من أجل أن تتمكن من التعامل الإيجابي مع المتغيرات القادمة من العولمة، والابتعاد عن المؤثرات المعلومة، والتي تؤدي إلى تشويه وتشتيت الهوية الوطنية التي ينظر إليها باعتبارها ناظماً اجتماعياً وثقافياً لمسيرة المجتمع في مختلف المجالات والحقول.

مفهوم العولمة:


      إن أول من أطلق مصطلح العولمة Globalization عالم السوسيولوجيا الكندي مارشال ماك لوهان M.Mcluhan أستاذ الإعلاميات السوسيولوجية في جامعة تورنتو، الإعلاميات عندما صاغ في نهاية الستينات مفهوم القرية الكونية The Global Village في كتابه، الحرب والسلام في القرية الكونية، وقد بيّن فيه أهمية دور وسائل الاتصال في تحويل العالم إلى قرية كونية واحدة(1).
وقد ظهر مصطلح العولمة أول ما ظهر تحت كلمة Globalizaton في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم ترجم إلى الفرنسية تحت كلمة Mondalaization وترجم إلى العربية تحت ثلاثة مصطلحات هي: الكونية، الكوكبية والعولمة. وقد شاع استخدام مصطلح العولمة أكثر من غيره. والعولمة تعني جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من المحدود المراقب إلى اللامحدود الذي ينأى عن كل مراقبة، والمحدود هو أساساً الدولة القومية التي تتميز بحدود جغرافية وديموغرافية صارمة، أما اللامحدود فهو يعني هنا العالم، فالعولمة تتضمن معنى إلغاء حدود الدولة القومية في المجال الاقتصادي والسياسي والثقافي، وترك الأمور تتحرك في هذا المجال عبر العالم، وداخل فضاء يشمل الكرة الأرضية جميعها(2).
أما فيما يتعلق بتعريف العولمة، فلا يوجد تعريف محدد لها، وذلك لكون العولمة ظاهرة في طور التكوين، بالإضافة إلى كونها ذات طابع شمولي، لذا فإن الباحثين فيها يقفون عند حدود وصف جانب من جوانب العولمة، أو جزئية من جزئياتها، ولهذا يذهب بعض الباحثين والمحللين الاجتماعيين مذاهب مختلفة في فهمها وتعريفها. كما وتأتي أحكامهم غامضة ومتباعدة أحيانا لاختلاف منطلقاتهم الفكرية، فأخذوا يتجنبون تحديدها مفضلين البحث في مظاهرها ونتائجها، وعلاقاتها بغيرها معتمدين في ذلك على وجود قدر مشترك من الفهم فيما بينهم، مما يتيح توصيل الآراء، والتحليلات إلى الآخرين مهما اختلفوا في التفصيلات والفروع.
وتظهر العولمة كمفهوم في أدبيات العلوم الاجتماعية الجارية كأداة تحليلية لوصف عمليات التغيير في مجالات مختلفة. وهي ليست محض مفهوم مجرد، فهي عملية مستمرة، يمكن ملاحظتها، والاستدلال عليها من خلال مؤشرات كمية وكيفية في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والاتصال(3).
وتعتبر العولمة ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع، يكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود السياسية الدولية، وتحدث فيها تغيرات في مختلف المجالات ويسهم في صنع التغيرات أو التحولات ظهور فعاليات جديدة كالشركات متعدية الجنسيات Trans Corporations، وهي شركات تتسم بالضخامة، وتنوع الأنشطة عبر العالم، وبالإضافة إلى منظمات دولية أخرى عديدة، وتحدث تغيرات هيكلية في البناء الاجتماعي للدول من اقتصاد وسياسة وتكنولوجيا ومعلومات وغير ذلك.
لقد أخذت التحولات في العالم تتسارع خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، وصاحب ذلك ثورة المعلوماتية عبر وسائل الاتصال، وظهور نظام أحادي هو النظام الرأسمالي ممثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أن هناك من يعتبر مصطلح العولمة مرادفاً لمصطلح الأمركة الذي يعني نشر وتعميم الطابع الأمريكي(4).
و عليه يمكن تعريفها بأنها تعني اندماج مجتمعات العالم في منظومة اقتصادية متماثلة، ومتجاوزة إلى الجوانب الاجتماعية المختلفة وتعميم نموذج ثقافي عالمي، ليصبح العالم كقرية كونية واحدة حسب تعبير ماك لوهان.

مقومات العولمة ومظاهرها:


      تعتبر العولمة في أصلها اقتصادية قائمة على إزالة الحواجز والحدود أمام حركة التجارة، وذلك لإتاحة حرية تنقل السلع، ورأس المال، ومع أن الاقتصاد والتجارة مقصودان لذاتها في إطار العولمة إلا أنها لا تقتصر عليهما وحدهما، وإنما تتجاوزهما إلى الحياة الثقافية والحياة الاجتماعية، بما تتضمنانه من أنماط سلوكية، ومذاهب فكرية، مما يؤدي إلى صياغة هوية المجتمعات، فهي آليات تقوم على سهولة الحركة في المجالات كافة(5)
      ومن الجدير بالذكر أن الدولة تشكل العنصر الأساسي في مفهوم الاقتصاد الدولي، في حين أن الشركات متعدية الجنسيات تشكل العنصر الأساسي في العولمة، وهي نتاج التقدم العلمي والثقافي الجاري منذ عدة عقود، أي أن الشركات متعدية الجنسيات تشكل العمود الفقري لظاهرة العولمة.

مقومات العولمة:


تعتمد العولمة بالإضافة إلى تلك الشركات على عدة مقومات هي:

1-               منظمة التجارة العالمية التي تتضمن تنفيذ اتفاقية الجات من جهة، والفصل في قضايا المنازعات التجارية الدولية من جهة أخرى.
2-               صندوق النقد الدولي.
3-               البنك الدولي.
4-                منظمات ومؤسسات عالمية أخرى.

مظاهر العولمة:

تتجلى مظاهر العولمة في المجال الاقتصادي والسياسي والثقافي:

1-               في المجال الاقتصادي:

      تتطلب العولمة تبني سياسات اقتصادية معينة من دول العالم، ومنها الدول النامية التي تعاني ضعفا في اقتصادها، ويتطلب قيامها ببرامج الإصلاح الاقتصادي، ومنها الخوصصة، التي تعني نقل ملكية مؤسسات الدولة إلى القطاع الخاص، ورفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، وإحداث ضريبة المبيعات وغير ذلك. إن الهدف من ذلك في مجمله إزالة القيود، والحدود أمام انسياب السلع بعد أن تلغى الضرائب التي كانت مفروضة عليها قبل الانضمام إلى منظمة الجات، وهي مظاهر ومكونات تؤدي إلى العولمة، بالإضافة إلى تقديم التسهيلات لإنشاء فروع لشركات إنتاج عملاقة، وقيام التكتلات الاقتصادية العالمية وغيرها.

2-               في المجال السياسي: 

      ويظهر ذلك في سقوط الأنظمة الشمولية والدكتاتورية، والنزوع إلى الديمقراطية والتعددية السياسية، واحترام حقوق الإنسان، ولا شك أن تطبيق ذلك يختلف من دولة إلى أخرى، وتختلف الرؤى في تقييم النموذج المتبع لهذه المقولات، وعادة ما يحكم عليها من منظور غربي، وبالأحرى من منظور أمريكي.

3-               في المجال الثقافي:

      حيث تظهر العولمة  هنا في محاولة إلغاء التنوع الثقافي، وصياغة ثقافة عالمية، وهي ثقافة لها قيمها ومعاييرها. وهناك تخوف من إذابة الخصوصيات الثقافية، وخاصة الهوية الثقافية من خلال، وسائل الاتصال كالتلفزيون والإنترنت، ووسائل الإعلام الأخرى، التي تحاول تنميط الثقافة، وجعلها واحدة شاملة ذات صبغة أمريكية على الخصوص.

مفهوم الهوية الثقافية:


01/ الهوية:


تستعمل كلمة هوية في الأدبيات المعاصرة مقابل كلمة Identite الفرنسية و Identity الإنجليزية، وهي تعبير عن خاصة مطابقة الشيء لنفسه، أو مطابقته لمثيله، هي في المعاجم الحديثة لا تخرج عن هذا المضمون، أي الهوية هي حقيقة الشيء، وهي التي تميزه عن غيره.
وتعد الهوية لمجتمع جزءا من ثقافته، وهي أحد مكونات الشخصية الوطنية، وهي تعني في الأساس التفرد، والهوية الثقافية هي التفرد الثقافي بكل ما يتضمنه من معنى للثقافة من عادات وأنماط سلوك، وميول، ونظرة إلى الكون والحياة(6).

02/ الثقافة:


هناك عدة تعاريف للثقافة منها تعريف منظمة اليونسكو في مؤتمر المكسيك الذي عقد في الثمانينات من القرن العشرين، حيث عرفت الثقافة بمعناها الواسع. على أنها مجموع السمات الروحية والمالية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينة، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب، وطرائق الحياة، والإنتاج الاقتصادي، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات(7).
ويلاحظ من هذا التعريف بأن الثقافة هي كل ما أنتجه مجتمع من ماديات ومعنويات، ويتبين بأن الهوية الثقافية لمجتمع أو جماعة، إنما تقع في الجوانب الفكرية من الثقافة.
وهناك من يوسع من مفهوم الهوية الثقافية ليتطابق ومفهوم الحضارة، حيث يرى هيمنجتون أن الحضارة هي هوية ثقافية، أي أن حضارة أي مجتمع هي الهوية الثقافية لذلك المجتمع، وأن الحضارة عنده تعني أعلى تجمع ثقافي، ومحدداتها هي اللغة والتاريخ والدين والعادات والمؤسسات(8).
ويتبين مما سبق أن المعنى العام للهوية لا يتغير وهو يعني الامتياز عن الغير، والمطابقة للنفس، أي هي ما يتميز به الفرد والمجتمع عن الأغيار من خصائص ومميزات. فالهوية الثقافية لأمة من الأمم هي القدر الثابت والجوهري، والمشترك من السمات والقسمات العامة التي تميز ثقافة أمة عن غيرها من ثقافات الأمم الأخرى، أي أنها تميز الشخصية الوطنية والقومية عن غيرها من الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى. وهي الوعي بالذات على مستوى الفرد والجماعة.
وتقوم الهوية الثقافية على أركان ثلاثة هي:

1)           العقيدة: وهي التي توفر للإنسان الرؤية الكونية.

2)           اللغة:  التي تجعل الفرد ينتمي لأمة ويتفاعل مع أفرادها.

3)           التراث الثقافي: الذي هو منتج أمة، ويزود الفرد بالذاكرة التاريخية والأدبية، ويتضمن الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد والأعراف والنظم والفنون وما إلى ذلك.

وفي هذا الصدد يرى تركي الحمد أنه طالما أن الهوية مركب من عناصر فهي بالضرورة متغيرة، في الوقت ذاته تتميز بثبات معين، بمثل ما أن الشخص الواحد يولد ويشيب ويشيخ، وتتغير ملامحه وتصرفاته وذوقه، ولكن يبقى هو وليس أحد أخر(9).

الهوية الثقافية العربية وتحديات العولمة:


الهوية الثقافية العربية تعني كل ما يميز هذه الهوية عن غيرها من الهويات الكونية الأخرى، من عقيدة إسلامية ولغة عربية ومن موروث ثقافي من نتاج الأمة العربية من عادات وتقاليد وقيم وأخلاق وغير ذلك، ولا شك أن هذه المقومات الثلاث هي التي تجعل من الهوية العربية متميزة عن غيرها، أو بالأحرى مختلفة عن هويات الأمم الأخرى، أي أن مفهوم الهوية في ثقافتنا العربية الإسلامية هي الامتياز عن الأغيار من النواحي كافة.
و مما لاشك فيه أن هناك اختلافا بين الباحثين حول العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية، ومدى خطورة العولمة على الهوية الثقافية للمجتمعات، انطلاقا من أن للعولمة تأثيرات متعددة في حياة المجتمعات من اقتصادية وسياسية وثقافية تنعكس تأثيرا على الهويات الثقافية. وبوجه عام تحاول العولمة أن تذيب الهويات الثقافية للمجتمعات النامية، ومنها المجتمعات العربية من خلال عدم اعترافها بتلك الهويات الثقافية، ويؤكد بعض المفكرين أن هناك خطورة للعولمة على الهوية الثقافية، ويظهر ذلك من خلال دفاع "الأنا" عن الهوية الثقافية والخصوصية المحلية في مواجهة الأخر الذي يتحد مع العولمة، فالعلاقة بينهما تشكل أزمة وجودية تاريخية كما يراها حسن حنفي، هي علاقة غير متكافئة، وعموما تقف الهوية الثقافية في مواجهة التغريب،  والتبعية الثقافية، والمهنية الحضارية(10).
وهناك اتجاهات عدة بين الباحثين في مسألة أثر العولمة على الثقافة، وأثرها على الهوية الثقافية، فاتجاه يرى بأن هناك خطورة على الثقافة الوطنية من العولمة تتمثل في العمل على توحيد ثقافات العالم في ثقافة واحدة، وبالتالي يتضمن إلغاء للهويات الثقافية.
      وبالمقابل هناك اتجاه يرى أن العولمة لا تسعى إلى السيطرة على الثقافة الوطنية للمجتمعات، ولا تعمل على توحدها، وإنما تؤدي العولمة إلى زيادة التمسك والحرص للمجتمعات على حماية ثقافتها، وبالتالي التأكيد على الهوية الثقافية لتلك المجتمعات.
      وفي الحقيقة والواقع، فإن كلاً من الاتجاهين يحمل جزءاً من الصواب وليس الصواب كله، فالهوية الثقافية العربية قد تتعرض للذوبان والاندماج في ثقافة العولمة، و قد تصمد وتحافظ على هويتها كغيرها من المجتمعات المشاركة في العولمة دون أن تفقد هويتها وخصوصيتها الثقافية.
    إن بقاء الهوية الثقافية العربية وصمودها أمام تحديات العولمة. ممكن؛ ولكن وفق اشتراطات معينة، سنحاول مناقشتها و تدعيمها في النهاية.
    ففي البداية هناك عدة دعوات للمحافظة على التنوع الثقافي والإبقاء عليه، لأهميته في تشكيل التراث الإنساني، فقد أشارت اليونسكو في إعلانها الصادر في: 3/11/1966 إلى موضوع التنوع الثقافي، حيث نصت المادة الأولى منه على أن لكل ثقافة كرامة وقيمة يجب احترامها، ومن حق كل شعب، ومن واجبه أن ينمي ثقافته، وتشكل كل الثقافات بما فيها من تنوع وخصب، وما بينها من تباين، وتأثير متبادل جزءا من التراث الذي يشترك في ملكية البشر جميعا(11).
وفي هذا السياق، أي ضرورة الإبقاء على التنوع الثقافي من أجل المحافظة على التراث الإنساني، يقول بطرس غالي أمين المنظمة الفرانكفونية: بأن هدفنا الدفاع عن التعددية الثقافية.. التعددية اللغوية، فلو سيطرت لغة واحدة على المجتمع الدولي، فإن ذلك سيؤدي إلى إضعاف اللغات الأخرى، وهنا خطأ كبير وخطير لأن اللغات بمثابة التراث الإنساني(12).
ومع وجاهة تلك الآراء في الدعوة إلى الإبقاء على التنوع الثقافي، إلاّ أن ذلك لن يبقى إلى الأبد، وخاصة مع تزايد انتشار ظاهرة العولمة التي ستؤثر حتما على التنوع الثقافي للشعوب طالما تتوفر لدى العولمة إمكانات تقنية وإعلامية كبيرة نعمل على تحقيق التماثل الثقافي للثقافات في العالم. وهذا يعني أن ثمة أزمة ثقافية عالمية تتمثل في القضاء على التنوع الثقافي في سبيل أن تسود ثقافة واحدة هي الثقافة الأمريكية.
      ومن الجدير بالذكر آن المجتمعات الأوربية تعمل على الإبقاء على التنوع الثقافي، والمحافظة على هوياتها الثقافية، وذلك إدراكا لما يشكله التنوع الثقافي من أهمية لأوربا أولا، وللمجتمع العالمي ثانيا.
      وقد حرصت بعض دول أسيا، كاليابان مثلا التي هي سائرة في عملية التحديث الاقتصادية أي سائرة في الجانب الاقتصادي من العولمة في الوقت نفسه حريصة على الإبقاء على خصوصيتها الثقافية وهويتها.
ومن ناحية أخرى، يؤكد صموئيل هنتنجتون Samuel Huntington صاحب نظرية صراع الحضارات، أن العولمة تؤدي إلى تأكيد الوعي بالخصوصية الثقافية معتبراً ذلك معضلة أي عدم تأثير العولمة في هوية المجتمعات غير الغربية، في حين يرى أن العولمة تؤدي إلى توحيد ثقافة الشعوب الغربية. لأن حضارة الغرب تتميز بكونها وريثة الحضارة اليونانية والرومانية والمسيحية الغربية، واللاتينية هي أصل لغاتها، كما يرى أنها أيضا تتميز بالفصل بين الدين والدولة، وسيادة القانون والتعددية في ظل المجتمع المدني والهياكل النيابية والحرية الفردية(13)، ويتبين من ذلك، أن هنتجتون لا يرى فائدة في أن العولمة التي يدعو إليها الغرب ستذيب الهويات الثقافية للمجتمعات غير الغربية، وإنما ستزيد من تشبث المجتمعات الأخرى لهويتها الثقافية، ولهذا يدعو الغرب للتخلي عن فكرة عولمة الثقافة والهوية للاختلاف الجوهري بين الهويات الثقافية للشعوب، وهذه الهويات قائمة على اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد، كما أنه يدعو إلى وحدة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، نظرا لكون الغرب متجانسا في ثقافته وحضارته عموما.
      وهناك دراسات ميدانية عدة أجريت للكشف عن تأثير العولمة على الجوانب الثقافية، وبالتالي تأثيرها على الهوية الثقافية، وقد توصلت في معظمها أن أدوات العولمة في المجال الثقافي ذات تأثير قوي على ثقافات العالم من أجل توحدها، وذلك بفضل التطور التكنولوجي الهائل وخاصة لوسائل الإعلام، فأصبحت الثقافة سلعة يمكن تبادلها عن طريق ثقل الصور التي لا تحتاج دائما إلى تعبير لغوي كي تنفذ إلى إدراك المتلقي، أي أن الثقافة الوطنية أصبحت مهددة أمام الثقافة الوافدة، وأكثر ما يهدد ثقافة الشعوب ثقافة الولايات المتحدة الأمريكية.
      لقد تناولت بعض من تلك الدراسات الميدانية مدى تأثير البث التلفزيوني على الثقافة الوطنية لمجتمعات مختلفة.
      وقد توصلت دراسة كل من بارنت وماكفيل Barnett & Mcphail حول قياس تأثير تعرض الشباب الكندي للمواد التلفزيونية الأمريكية على إدراكهم لهويتهم الوطنية، حيث تبين أن الأكثر تعرضا لتلك المواد من الشباب الكندي هم الأقل إدراكا لأنفسهم على أنهم كنديون(14).
وفي كوريا الجنوبية قام الباحثان كانق ومورجان Kang & Morgan بدراسة هدفت معرفة تأثير التعرض للمواد التلفزيونية الأمريكية على اتجاهات الشباب الكوري في ثلاثة مجالات هي: أدوار النوع، والقيم الأسرية والاتجاهات الثقافية، وقد توصلت الدراسة إلى أن كثرة التعرض لمواد التلفزيون الأمريكية قد أحدث تحولات حادة عن القيم الكورية التقليدية خاصة لدى الفتيات اللاتي أصبحت أكثر تحرراً، وأقل تمسكا بالقيم الأسرية السائدة في بلدهم، فأخذن يرفضن طرق الزواج التقليدية، ولا يقمن الاعتبار للمعايير الأخلاقية، وغير ذلك كما أصبح لديهن ميل نحو ارتداء الملابس الأمريكية، وينظرن إلى الديانة الكونفوشيوسية، الديانة السائدة في كوريا، باعتبارها غير ملائمة لهن، وعلى العكس من ذلك فإن الشباب الأكثر تعرضاً للمواد التلفزيونية الأمريكية قد ظهر لديهم شدة الكراهية للولايات المتحدة، وأصبحوا أكثر تمسكاً بالثقافة الكورية، وقد علل الباحثان ذلك. بأنه قد يؤدي كثرة التعرض لتلك المواد التلفزيونية إلى تأثيرات عكسية مما يحدث موقفاً مناهضاً لهذه الثقافة المستوردة، والتمسك بالثقافة الوطنية(15)
وقام الباحث وديع محمد سعيد بدراسة على عينة مؤلفة من 554 طالباً من طلبة جامعة صنعاء باليمن، وقد هدفت الدراسة التعرف على تأثير البث التلفزيوني الوافد على الطلبة، وتوصلت الدراسة إلى أن نسبة عالية من أفراد العينة قد أكدت أن مواد البث الوافد لا تتلاءم مع القيم والعادات والتقاليد اليمنية، وهذه النتيجة تتفق مع دراسة أجراها ناصر الحميدي في السعودية حول البث التلفزيوني وتأثيره على التربية حيث توصلت الدراسة إلى أن البث الوافد يؤثر على الجوانب الأخلاقية(16).
وهناك دراسة أجريت على عينة من طلبة الجامعة الأردنية عام 2001 قام بها الباحث فرحان الشراري حول اتجاهات طلبة الجامعة الأردنية نحو العولمة وعملياتها وأثارها، وقد توصلت الدراسة إلى أن معظم أفراد العينة المؤلفة من (1100) طالباً وطالبة نرى أن للعولمة أثاراً سلبية في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية(17).
كما أظهرت نتائج الدراسة أن هناك فروقاً بين الجنسين حول مسالة التأكيد على سلبية العولمة على ثقافة المجتمع الأردني لصالح الذكور أكثر من الإناث، وقد عللت الدراسة هذه النتيجة كون العولمة تدعو إلى تدعيم مشاركة المرأة في جميع جوانب الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية(18).
      وبوجه عام يتبين من مجمل نتائج تلك الدراسات الميدانية أن للعولمة أثاراً سلبية على ثقافة المجتمعات لصالح ثقافة العولمة، أي أن هناك خطورة حقيقية على الهوية الثقافية، نظراً لكون العولمة تمتلك قدرات وإمكانات تقنية عالية تستطيع فرض سيطرتها خاصة على المجتمعات النامية التي لا تتوفر لديها مثل هذه الإمكانات، مما سيؤدي إلى اختراق ثقافتها لصالح ثقافة العولمة، الأمر الذي يتطلب صياغة إستراتيجية ملائمة لضرب المخاطر الناجمة عن ثقافة العولمة.
      ومما لا شك فيه، أن مخاطر العولمة لا تقف عند الهوية الثقافية، وإنما تتعدى إلى مخاطر أعظم على الدولة الوطنية والاستقلال والإدارة، وتمتد إلى تكوين تبعية الأطراف إلى المركز، أي إلى النظام العالمي الجديد المنادي بحقوق الإنسان بالمفهوم الغربي دون مراعاة لحقوق المواطن، وحقوق الشعوب، ومنادياً بفتح الدولة الوطنية لحدودها الاقتصادية والسياسية، والسير في نهج الخوصصة ليصبح الاقتصاد جزءاً من الاقتصاد العالمي، وفتح الأسواق، ورفع الحماية الجمركية وغير ذلك، فتعمم ثقافة المركز، وتصبح ثقافته هي نموذج الثقافات، وباسم المثاقفة Acculturation يتم انحسار الهويات الثقافية الخاصة في الثقافة المركزية، وحينئذ تتبنى ثقافة الأطراف بطريقة لا شعورية تحت أثر تقليد المركز والانبهار بثقافته حيث يتم استعمال وتبني طرق تفكيره، ومفاهيمه فيصبح إطاراً مرجعياً للحكم دون مراجعة أو نقد(19).
      ومما لاشك فيه أن مظاهر العولمة المادية تؤثر على القضايا الفكرية، أو بالأحرى تؤثر على الهوية الثقافية للمجتمعات، ومنها المجتمعات العربية، وذلك من خلال الإعلام المكثف للعولمة، ومن خلال محاولة بعض الشباب مجاراة العادات والتقاليد الغربية، في المأكل والملبس، وكما يقول ابن خلدون "فإن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته، وسائر أحواله وعوائده"(20)، أي أنه يحدث ما يمكن تسميته باستلاب الوعي الثقافي للشباب، فالعودة إلى أصالتهم من عادات وتقاليد وقيم، لابد لها من تخطيط تربوي وجهود تتعاون الأسرة والجهات المسؤولة في العمل على أحياء التراث، وتحصين الأجيال كي لا تقوم بتقليد الغرب في ثقافته وكل ما ينشأ عنه.
وهناك خلافات بين دعاة العولمة، وبين الرافضين لها، نظراً لعلاقتها بالهوية الثقافية للمجتمعات، فدعاة العولمة يرفضون فكرة الهوية، وبالتالي يرفضون مصطلح "الغزو الثقافي"، ويعتبرونه دعوة للانغلاق الثقافي، ويستبدلونه بمصطلحات مثل " التواصل الثقافي" و"التبادل الحضاري" على اعتبار أن التواصل الثقافي يؤدي إلى تطور الثقافة ونمائها، ويدللون على ذلك في عالمنا العربي بانفتاح الثقافة العربية الإسلامية في العصور الأموية والعباسية والفاطيمية على ثقافات الشعوب الأخرى، كالفرس واليونان والرومان، مما أدى إلى تطور الثقافة العربية في تلك العصور، ولا شك أن هذا التدليل صحيح في زمانه حيث كانت الثقافة العربية الإسلامية قوية بقوة الأمة العربية الإسلامية سياسياً وعسكرياً، وبالتالي أخذت هذه الثقافة ما يناسبها من ثقافة الشعوب الأخرى، ولم يفرض عليها نوعا من تلك الثقافات، أي أنها أخذت باختيارها، وما يناسبها.
      أما في عصرنا الراهن فإن الوضع مختلف، ذلك أن ثقافتنا اليوم أمام ثقافة المجتمعات المتقدمة، لذا يصعب عليها أن تختار ما يناسبها في ظل الوهن الذي يعيشه العالم العربي، وبالتالي وهن ثقافته أمام قوة الثقافات الأخرى، وخاصة الأمريكية منها.
      وهناك بالمقابل نفر أخر من الباحثين يدعو إلى مقاومتها ويحذرون منها لما تحمله من أخطار اقتصادية تظهر في انتشار الشركات المتعدية الجنسيات، ولما تفرضه من قوانين تؤدي إلى تقليص الصناعات الوطنية، وتعميم الفقر والبطالة، فضلا عن إضعاف سيادة الدولة القطرية، وإلى نشر ثقافة واحدة وتغليب لغتها، ونشر قيمها ومفاهيمها الحضارية، بمعنى أنها في النهاية تؤدي إلى ذوبان هوية المجتمع حينما يأخذ بأسباب تلك العولمة.
وعموما يمكن طرح التساؤل التالي: هل تؤدي العولمة إلى تهميش كل الهويات والخصوصيات الثقافية لتنتهي إلى فرض نموذج وحيد للحياة الإنسانية في مجال الاقتصاد والاجتماع (بما فيه من هوية المجتمع الثقافية)؟.
      هناك من يرى في الإجابة عن التساؤل السابق بأن العولمة لا تستطيع أن تقدم أي نموذج ثقافي، أو أن تقوم بإفراغ كل الهويات الثقافية من محتواها، ولاسيما الهوية الثقافية العربية، فهي الأقوى صموداً لقيامها على العقيدة الإسلامية واللغة العربية والتراث الثقافي، وهي ركائز ضاربة في التاريخ والحضارة، وبمعنى آخر أنه إذا أمكن تحقق عولمة للصناعة والإنتاج التكنولوجي، ووسائل الإعلام، والعلوم المادية، فهذا يعد أمراً طبيعيا لأنه لا يمس إلا الجوانب المادية من الثقافة، في حين أن الجوانب الفكرية من حياة الإنسان من لغة وعقيدة وتراث حضاري معنوي، فهي التي تعبر عنها الهويات المتعددة التي هي في الوقت نفسه تعبير عن الحرية الإنسانية في أعمق معانيها(21)، أي أن العولمة لا تستطيع أن تحقق نجاحاً في محو الهويات الثقافية للمجتمعات، وخاصة في مجال الهويات الراسخة كالهوية العربية القائمة على العقيدة واللغة، وتراثها الثقافي العريق، فعقيدتها الدينية تقوم على منظور شمولي للكون واللغة العربية هي المعبرة عن تراثها الثقافي الراسخ الجذور في الحضارة منذ القديم.
      ومن جهة أخرى، فإن من يفكر في جعل الثقافة ثقافة عالمية أي أن تسود ثقافة واحدة ووحيدة، فهذا يعني تزييف هويات المجتمعات الأخرى، وجعل العالم يعيش حياة وفكراً واحداً، وهذا يخالف الواقع، ولهذا لا يتوقع أن تمحو العولمة خصوصية ثقافة المجتمعات وتنوعها، كما فعلت العولمة في توحيد الاقتصاد الكلي للعالم أو هكذا سائرة فيه، أي أن العولمة تقتصر على عولمة الحياة المادية، أي الجانب المادي من ثقافة للمجتمع، أما في الجانب الفكري من الثقافة فلن تستطيع تحقيق ذلك، وخاصة في إقصاء الهوية العربية. ومع ذلك فإن الإبقاء والمحافظة على الهوية العربية لا يأتي تلقائيا وإنما من خلال رسم إستراتيجية للدفاع عن تلك الهوية.
      لقد تبين مما سبق أن من أهم أخطار العولمة خطرها على الهوية الثقافية للشعوب، وهي مسألة إذا تركت دون وقاية، فستصبح عرضة للغزو الثقافي بحيث تذوب هوية المجتمعات التي تتعرض للغزو من قبل العولمة المسيطرة على التكنولوجيا، ووسائل الإعلام، والاقتصاد عامة، وهي تسعى إلى تنميط مجتمعات العالم في ثقافة واحدة من خلال العمل على تفكيك الهوية الثقافية، فبضعف الانتماء والموطنة، ويتكون الاغتراب الثقافي.
      وفي سبيل المحافظة على الهوية الثقافية العربية أمام أخطار العولمة يمكن المساهمة في صياغة إستراتيجية تقوم على الدعائم الآتية:
01) العمل أولا على فهم ظاهرة العولمة فهما علميا من خلال التعرف على أساليب عملها ومعرفة اتجاهاتها وأهدافها، وأن يتم التعامل معها وفقاً للمصالح الوطنية، ومن موقع الثقة بالنفس، ومن خلال البحث في ثقافتنا لتعزيز هويتنا العربية، والكشف عن مقومات هويتنا وأصالتها، والأخذ من العولمة بما لا يتعارض مع هذه الأصالة، من تقنيات وطرق إنتاج، وتوظيف التكنولوجيات المتطورة لخدمة مصلحتنا الوطنية. وبقدر ما تكون هذه المهمة ملحة أمام المثقفين العرب، فإنها مهمة إنسانية يمكن تأديتها عن طريق التفاعل والحوار مع مثقفي الأمم الأخرى، وخاصة تلك الأمم التي وضعتها العولمة في صراع مباشر معها.
 02) العمل على تعزيز مقومات هويتنا الثقافية من لغة وعقيدة ومورث ثقافي، وتدعيمها، وذلك لإثبات الذات من خلال الإبداع الثقافي في المجالات المختلفة ووفق سياسة ثقافية مدروسة من خلال إعادة النظر في طرق التربية للأجيال، ابتداء من الأسرة وانتهاء بالمدرسة والجامعة، والأخذ من الحضارة الوافدة بما يتناسب مع هويتنا ولا يتعارض معها، والعمل على نشر ثقافتنا من خلال التواصل مع الحضارات الأخرى، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال القدرة على إنتاج ثقافي، بحيث يكون لدينا ما نسهم به على غرار ما قامت به بعض دول شرق أسيا كالصين واليابان وكوريا وغيرها، وبذلك يكون التفاعل مع العولمة أخذا وعطاء، وبالتالي نحمي هويتنا من الذوبان في بحر العولمة.
وهنا يرى الجابري وهو من المعارضين للعولمة أن الحل لمقاومة العولمة إنما ينطلق أولاً وقبل كل شيء من العمل داخل الثقافة العربية نفسها، لأنه سواء تعلق الأمر بمجال الثقافي أو بغيره، فمن المؤكد أنه لولا الضعف الداخلي لما استطاع الفعل الخارجي أن يمارس تأثيره بالصورة التي تجعل منه خطراً على الكيان والهوية(22).
        وبطبيعة الحال لا يعالج الضعف الداخلي إلا من خلال إنتاج ثقافي، مادي وفكري يساير                العصر، ويحافظ على ثوابت الهوية الثقافية، وذلك لأن الثقافة التي تبقى تأخذ ولا تعطي               ستظل الأضعف، والثقافة المتلقية هي التي يسهل السيطرة عليها(23).
03) العمل على تعزيز التفاعل الثقافي بين الأقطار العربية من خلال بناء شبكات الاتصال، وتبادل المعلومات، والسعي إلى إيجاد مفاهيم عربية للبيئة الثقافية العربية، في ظل الوسائل الحديثة المتاحة، مع التركيز على تعليم اللغة العربية للأبناء قبل تعلم اللغات الأجنبية، والتركيز على مبادئ الدين الإسلامي، والعمل به، فهو من مقومات الهوية الثقافية العربية، بالإضافة إلى المحافظة على الموروث الثقافي في مجال العادات والتقاليد والأعراف والاحترام، وغير ذلك، والإبقاء على ما هو إيجابي منها، وترك ما هو سلبي من خلال عملية انتقائية متفتحة مع الأخذ بالاعتبار تطورات العلم ومواكبة العصر.
04) العمل على محاربة الفساد بكل أشكاله وآلياته، ذلك أن انتشار الفساد، وتغلغله في دوائر الحكم والأعمال، يفسح المجال أمام تحرك وانتشار "آليات العولمة" دون ضوابط الأمر الذي يضعف القرار المستقل للسلطة على المستويات كافة، لذا يتطلب العمل تقوية آليات الرقابة والمحاسبة من أجل كشف الفساد ومعالجته كي لا تقع الدولة تحت وصاية وشروط صندوق النقد الدولي والمؤسسات العالمية، وحتى لا تهدر مجهودات التنمية.
05) العمل على تدعيم الديمقراطية والحوار في ظل التعددية الفكرية، واحترام حقوق المواطنين، وتعزيز المساواة بينهم مما يؤدي ذلك إلى الحد من نزيف هجرة العلماء والمفكرين العرب ليستفيد المجتمع من كفاءة أبناءه في عمليات التنمية من خلال الاختراعات والاكتشافات، مع العمل على تعزيز مؤسسات المجتمع المدني ودمقرطتها.
06) العمل على تقوية الدولة، وذلك للمحافظة على الهوية الثقافية، فهي سياج لهذه الهوية كي تصونها من خلال القوانين، والأنظمة الموضوعة؛ أي أن دور الدولة يعتبر رئيسا في المحافظة على تلك الهوية، غير أنه إذا همش في هذا المجال بقيت عناصر الهوية دون محافظة، فستتعرض للذوبان والزوال، فالدولة مسؤولة عن التقدم والرخاء والاستقرار، وتقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والمواصلات، ووضع السياسة الاقتصادية والاجتماعية المناسبة، وتبقى مسؤولة عن مستقبل الأجيال.
07) تشجيع الباحثين العرب في الجامعات ومراكز البحوث العلمية للقيام بإجراء دراسات ميدانية للكشف عن تحديات العولمة، وخطورتها على الثقافة العربية من أجل المساهمة في إيجاد الطرق الملائمة للمحافظة على الهوية الثقافية العربية.

خاتمة:

انطلاقا مما سبق ذكره عن ظاهرة العولمة والهوية الثقافية العربية، فإن ظاهرة العولمة المتسارعة، وخاصة في العشر سنوات الأخيرة من القرن العشرين، قد تزايد تأثيرها على المجتمعات كافة، ومنها المجتمعات العربية، حيث ظهرت لها إيجابيات وسلبيات على مجتمعاتنا، وفي مجال الهوية الثقافية فإنه لا خطر على هذه الهوية، ولكن هذا ليس مطلقا، وإنما هناك تحديات تواجه هويتنا الثقافية رغم رسوخ أركانها، وإنما لابد من تدعيم لهذه الأركان الثلاثة وهي: اللغة والعقيدة والموروث الثقافي، ولا شك أن أثر العولمة واضح في المجال المادي على ثقافتنا وسيمتد تأثيره إلى المجال الفكري من هذه الثقافة، لذا لابد من العمل على مواجهة الغزو الثقافي والإعلامي لقوى العولمة، وأن التعامل الأسلم مع ظاهرة العولمة بتجلياتها لا يكون بالانغلاق على الذات، وإنما بتحقيق التجدد الثقافي من داخل الشخصية العربية الثقافية، والعمل على ولوج عصر العلم والتكنولوجيا كفاعلين مشاركين، وليس كمستغلين ومستهلكين، لذا فإن صيانة الهوية الثقافية العربية تستلزم تكاملا ثقافيا (مادياً وفكرياً)، وقادرا على بناء مؤسسات للإنتاج المادي والفكري من أجل إنتاج ثقافة متجددة متلائمة تدعم المجتمع الوطنية.
مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية


لجامعة سعد دحلب البليدة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 01)Marshall McLuhan, 1969, War and Peace in the Global Village, Mcgraw Hill Book Co. N.Y.
02)      الجابري، محمد عابد، 1997م، قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص 132.
03)          الأسد، ناصر الدين، 1997م، الهوية والعولمة، "في" ندوة العولمة والهوية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، ص 59.
04)      الجابري، مرجع سابق، ص 137.
05)      التويجري، عبد العزيز، 1997م، العولمة والهوية من منظور التنوع الثقافي، "في" العولمة والهوية، مرجع سابق، ص 166.
06)      أمين، جلال، مرجع سابق، ص 61.
07)      عرسان، علي، 2001، ثقافتنا والتحدي، منشورات اتحاد الكتاب العربي، دمشق، ص 220.
08)      الجابري، مرجع سابق، ص 100.
09)      الحمد، تركي، مرجع سابق، ص 22.
10)      حنفي، حسن، مرجع سابق، ص 39.
11)      عرسان، علين مرجع سابق، ص ص 220-221.
12)      خريسان، باسم، 2001، العولمة والتحدي الثقافي، دار الفكر العربي، بيروت، ص 139.
13) Huntington, Samuel, 1996. The Clash of Civilization and the remarking of world order, Simon and Schuster, N.Y.
14)      خرسان، مرجع سابق، ص ص 129-130.
15)      المرجع نفسه، ص 131.
16)      المرجع سابق، ص 132.
17)      الشراري، فرحان، 2001م، اتجاهات طلبة الجامعة الأردنية نحو العولمة وعملياتها وأثارها، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، ص 113.
18)      المرجع السابق، ص 114.
19)       حنفي، مرجع سابق، ص 49.
20)      ابن خلدون، عبد الرحمن، 1962م، مقدمة ابن خلدون، تحقيق علي عبد الواحد وافي، ج2، ط2، دار نهضة مصر، القاهرة، ص510.
21)      الأطرش، محمد، 2000م، العرب والعولمة، ما العمل؟ "في" العرب والعولمة، مرجع سابق، ص 412.
22)      الجابري، مرجع سابق، ص 14.
خريسان، مرجع سابق، ص 126.
التالي
هذا آخر موضوع.
السابق
رسالة أقدم

إرسال تعليق

 
Top