اتفق كثير من علماء الاجتماع على أن الجريمة " ظاهرة اجتماعية "، و أن ما اعتبر جريمة ناتج عن تشريع الجماعة لبعض أفعال و أعمال أفرادها سواء عاقب عليها القانون أم لم يعاقب، أي أن المعيار إلى الاستقامة أو عدمه راجع إلى معيار اجتماعي لا إلى معيار قانوني(1).
و قد قيل إن الجريمة هي " كل فعل يخالف الشعور العام للجماعة "(2)، كما قيل:" أنها كل فعل يتعارض مع الأفكار و المبادئ السائدة في المجتمع "(3).
فقد أدرك )  جارو فالو rafaele garofalo ) أن المجتمع هو الأساس لتجريم أي فعل يرتكب أي أنه اعتمد في تعريفه للجريمة على معيار اجتماعي، و من تحليله لعواطف المجتمع التي تثار من خلال تصرفات إنسان ما، أدرك و خرج بنوعين من الجرائم:
01/ جريمة طبيعية: متفق على تجريمها من المجتمعات في كل زمان و مكان، لتعارضها مع عاطفة ( الشفقة ) و عاطفة ( الأمانة ) مثل الاعتداء على الأشخاص و جرائم الاعتداء على الأموال(4).
02/ جرائم مصطنعة: و هي الجرائم ضد العواطف ( الغير ثابتة )، أي العاطفة القابلة للتحول كالعواطف الدينية و الشعور بالحياء و حب الوطن.
كما أن (  إهرنج ihering_ ) العالم الألماني يعرف الجريمة على أنها " فعل ينطوي على تعريض شروط حياة الجماعة للخطر، نص عليه المشرع و شرع له عقوبة "(5).
أما ( سذرلاند _ E.SUTHERLAND ) فقد عرف الجريمة على أنها " سلوك تحرمه الدولة لضرره بها،  ويمكن أن ترد عليه بعقوبة"(6).
و يعرف أنصار العوامل الاجتماعية الجريمة بأنها " سلوك مضاد للمجتمع "، و هو ما يضر بالمصلحة الاجتماعية للمجتمع.
كما تعرف الجريمة اجتماعيا بأنها رد فعل يخالف الشعور العام للجماعة، و أنها أي فعل فردي أو جماعي يشكل خرقا لقواعد الضبط الاجتماعي التي اقرها  المجتمع، و الذي يمكن التعبير عنه بمجموعة القيم والتقاليد و الأعراف السائدة في المجتمع(7).
و حسب الدكتور 'عبد القادر القهواجي' فقد تباينت الآراء حول الجريمة عند علماء الاجتماع وقد أشار إلى وجود اتجاهين(8):
01/ الاتجاه الأول: يربط بين الجريمة وقواعد الأخلاق، فالجريمة وفقا لهذا الاتجاه هي كل فعل يتعارض مع المبادئ الخلقية، إلا أن أنصار هذا الاتجاه انقسموا عل أنفسهم إلى قسيمين، فمنهم القسم الأول الذي يجعل العلاقة بين الجريمة والأخلاق قاصرة على مخالفة بعض قواعد الخلقية لا كلها، ومنهم من يجعل هذه العلاقة شاملة لكل القواعد الخلقية دون تمييز.
ويتزعم القسم الأول الفقيه الايطالي " جارا فالو " وهو احد أقطاب المدرسة الوضعية الايطالية.
يذهب أنصار القسم الثاني إلى تعريف الجريمة بأنها " كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم الأخلاقية المتعارف عليها في المجتمع".
و من أنصار هذا القسم الفقيهان " فيري " وهو أيضا احد أقطاب المدرسة الوضعية، و " جيرسبيني" .
02/ الاتجاه الثاني: فيقوم التعريف الاجتماعي للجريمة لديه على أساس الربط بينها وبين القيم الاجتماعية.
و الجريمة عند "أميل دوركايم " هي كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم و الأفكار التي استقرت في وجدان الجماعة.
و قد عرفت عند بعض العلماء على أنها تلك التي تنطوي على إهدار شرط من شروط كيان المجتمع ووجوده أو ظرف مكمل لهذا الشرط(9).
فحسب ' الدكتور القهوجي' أن جل هذه التعاريف الاجتماعية للجريمة تفتقر إلى التحديد الدقيق لمفهومها، ذلك أن القيم الاجتماعية التي تأسس عليها هذه التعريفات  فكرة غير منضبطة تحتاج إلى بيان حدودها، ثم – وهذا هو الأهم-  من هو صاحب السلطان في تقرير هذه القيم وتحديدها، لو ترك الأمر لكل باحث لتضاربت الآراء حول الجريمة وتعذرت دراستها، ومن ثم فقدت هذه الدراسة صفة العلم التي توصف بها.
وحسب الدكتور 'عبد المجيد كاره'، يمكن وصف الجريمة أو الانحراف عن المعايير و القواعد الاجتماعية وتحديد معناها في أنها تمثل إتيان أي فعل لا تقبله النسبة الغالبة من أفراد الجماعة بما يشمل الجرائم في تحديدها القانوني ، أو الجرائم القانونية وغير القانونية و السبب في وجود مثل هذه الظاهرة لدى أي مجتمع من المجتمعات هو أن العادات والأعراف و التقاليد و القيم الأخلاقية غير المرغوب فيها من قبل الغالبية قد يزداد الاهتمام بالبعض منها بحيث ترتقي إلى المستوى القانوني ويبقى البعض منها الآخر في ما دون ذلك(10).
وقد تكون الأفعال المجرمة بنص القانون أفعال خطيرة على امن الجماعة وحياة أفرادها، أو مقدساتهم ومكتسباتهم ومستقبلهم، أو تطلعهم العام، و بالتالي فانه يتطلب الأمر شذب هذه الأفعال ومكافحتها، أو أن الأمر يتعلق بأفراد الجماعة ومعتقداتهم ووجهة نظرهم بالنسبة للأنماط السلوكية غير السوية، وما يجب أن يجرم منها بنص القانون.
كما قد يعتمد الأمر على ما تحظى به هذه الجماعة دون سواها من تأييد أو مقدار ما تتمتع به من نفوذ وسلطان سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو جميعها يجعلها بمقدورها أن تفرض وجهة نضرها على القانون و من خلاله.



01) ( southerland et cressy, principes de criminologie, traduction française, ed, cujac, paris, 1966, p22.
02) عبد الفتاح الصيفي: علم الإجرام، دراسة حول ذاتيته، و منهجه، و نظرياته، القاهرة، 1973، ص68.
03) د. محمد زكي أبو عامر: دراسة في علم الإجرام و العقاب، الدار الجامعية للطباعة و النشر، بيروت، 1981، ص 33.
04) stephen schafer: introduction to criminology, p46.47.
05) عبد الفتاح مصطفى الصيفي: علم الإجرام، ص85.
06) د. عبود السراج: علم الإجرام، و علم العقاب، ص4.
 07) د. حسن إسماعيل عبيد: سوسيولوجيا الجريمة، شركة ميدلات المحدودة، لندن، 1993، ص 97.
08) د. علي عبد القادر القهواجي: علم الاجرام وعلم العقاب، الدار الجامعية للطباعة و النشر، بيروت، 1985، ص 13-14.
09) د. رمسيس بنهام: النظرية العامة للقانون الجنائي، منشأة المعارف،القاهرة، 1971، ص 52-53.
10) د. عبد المجيد كاره: مقدمة في الانحراف الاجتماعي، معهد الانماء العربي، بيروت، لبنان، 1985، ص 31.
 
Top