المدرسة:

لا توجد أي مؤسسة اجتماعية تمتلك من الفرص مثل ما تمتلك المدرسة في تشكيل نمو الطفل و المراهق، فبعد دخول الطفل المدرسة، تمتص هذه الأخيرة نسبة كبيرة من وقته فتخضع حياته لها إن صح القول حتى و الطفل بعيد عنها، فهي تؤثر فيه بتلك الواجبات المدرسية التي يتعين عليه إنجازها في البيت، إضافة إلى العلاقات والواجبات الاجتماعية التي تربط الطفل بنادي المدرسة و غير ذلك من الأنشطة، فالمدرسة هي المؤسسة الاجتماعية الرسمية التي تقوم بوظائف التربية و نقل الثقافة و توفير الظروف المناسبة للنمو جسميا و عقليا و انفعاليا و اجتماعيا، و يؤكد كل من سهير كامل أحمد و شحاته سليمان محمد ذلك بقولهما أن المدرسة " تدعم القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع من خلال مناهجها الدراسية، كما يمكن أن يتضمن النشاط المدرسي إكساب التلاميذ بعض الأساليب السلوكية الاجتماعية السوية و تعليمهم بعض المعايير الاجتماعية، كما يساعد المدرس الطفل على التخلص من الأساليب السلوكية الشاذة و أن يشبع حاجة الطفل إلى التقدير الاجتماعي و اعتبار الذات الذي لم يتمكن من التمتع به أثناء تواجده مع الأسرة "(1).

مفهوم المدرسة:

تعتبر المدرسة من الهيئات الرسمية التي أسسها المجتمع لتولي وظيفة تنشئة الأبناء
وتزويدهم بمهارات وقيم معينة، والمدرسة منذ أن وجدت باشرت ولا تزال تباشر القيام برسالة
التنشئة الاجتماعية، وثمة تعاريف كثيرة للمدرسة نذكر منها مايلي:
المدرسة هي المؤسسة التي أنشاها المجتمع لتربية وتعليم الصغار، نيابة عن الكبار الذين
شغلتهم الحياة، إضافة إلى تعقد وتراكم التراث الثقافي(2).
كما يعرفها النجيمي بأنها مؤسسة أنشأها المجتمع من أجل القيام بإعداد النشء الجديد
للمشاركة في عمل النشاطات الإنسانية التي تسود حياة الجماعة، لها وظيفة تكييف وإدماج
الأفراد داخلها، أي أنها تعبر عن أفكار وفلسفة وأهداف المجتمع الذي أنشأها لخدمته(3).
ن المدرسة كما يطلق عليها السوسيولوجيون بأنها مؤسسة شكلية رمزية معقدة، تشتمل على
سلوك مجموعة كبيرة من الفاعلين، وتنطوي على منظومة من العلاقات بين مجموعات تترابط فيما بينها بوساطة شبكة من العلاقات التي تؤدي فعلا تربويا عبر التواصل بين مجموعات المعلمية والمتعلمين(4).
المدرسة هي مؤسسة أو تنظيم يستمد قوته من أن له أسلوبا يوجه العملية التعليمية
الموجهة الصحيحة.فلئن كانت المدرسة القديمة تكتفي بالمحافظة على تراث المجتمع الثقافي،
ونقله من جيل إلى جيل، وتعليم التلاميذ مبادئ القراءة والكتابة، بطريقة التلقين، فان المدرسة
الحديثة لم تعد مجرد مكان لحشو أدمغة التلاميذ ببعض المعارف النظرية، وإنما أصبحت حقلا تربويا يتركز الاهتمام فيه على تربية العقل والجسم والعاطفة، وذلك بقصد تكوين الشخصية المتزنة والمتوازنة(5).

التعريف الإجرائي:

هي مؤسسة رسمية أنشأت لحاجة المجتمع إليها،من خلال العلاقات الاجتماعية التي تسود في المدرسة للقيام بأدائها التربوي، إذ تعمل على تنشئة التلميذ من جميع جوانبه بهدف المحافظة على بقاء المجتمع واستمراره.

خصائص المدرسة:

تتصف المدرسة بخصائص كوحدة اجتماعية مستقلة على النحو التالي:
* المدرسة مؤسسة اجتماعية والتربية في أعلى درجاتها عملية اجتماعية تهيئ المتعلم
ليقوم بدور ايجابي في الحياة التي يعيشها داخل المجتمع(6).
* تضم المدرسة أفراد معينين هم المدرسون والتلاميذ ،فيقوم المدرسون بعملية التعليم وهم
فئة معينة لها تاريخها ومقوماتها الأكاديمية، أما التلاميذ فهم الفئة التي تتلقى التعليم
ويخضعون إلى عملية اختبار وغربلة في بعض المدارس الخاصة أما المدرسة العامة،
فتختار تلاميذها على أساس السن بغض النظر عن المستوى الاقتصادي والاجتماعي(7)، أما بقية الأشياء في المدرسة من مباني وإداريين وغيرهم، إنما هم وسائل مساعدة للقيام
بالعملية التعليمية وذلك رغم أهميتها وبالتالي فانه لا يتخيل وجود مدرسة بدون تلميذ أو
مدرس أو منهج ولكل الثلاثة كل متكامل لا بد من توافره لقيام المدرسة.
* تقوم المدرسة على أساس التوجه السياسي للمجتمع من حيث طريقة التفاعل الاجتماعي
والتمركز حول عملية التعليم داخل المدرسة،التي تتكون من حقائق ومهارات واتجاهات
وقيم أخلاقية تفرض من المدرسة، وهذا يتطلب شيئا من إلزام الطلبة بالتقيد بالمواد
الدراسية واستيعابها.
* تمثل المدرسة مركز للعلاقات الاجتماعية المتداخلة المعقدة،وتعتبر هذه العلاقات بمثابة
مسالك وقنوات للتفاعل والتأثير الاجتماعي،من خلال الجماعات المتفاعلة وهي التلاميذ
والمدرسون والمجتمع المحلي التي لكل منها دستورها الأخلاقي واتجاهاتها نحو الجماعات الأخرى.
* يسود المدرسة الشعور بالانتماء والفخر فالمتعلمون يشعرون بأنهم جزءا منها وإنها تمثل
فترة مهمة من حياتهم،ويبرز هذا الشعور في عمليات التنافس والمباريات وجماعات الخريجين.

* أدوار المدرسة و وظائفها:

يقول"  جون ديوي ":" إن المدرسة هي قبل شيء مؤسسة أوجدها المجتمع لإنجاز عمل خاص هو الحفاظ على الحياة الاجتماعية و تحسينها و هي مؤسسة اجتماعية تعمل على تبسيط الحياة الاجتماعية و اختزالها في صورة أولية بسيطة "(8).
ففي المدرسة يجد الطفل من زملائه و قرنائه الصغار من يألفهم و يشاركهم و يشعر معهم
بعضويته في مجتمعهم و على ذلك فالمدرسة تقوم بوظيفة تربية الطفل بالنيابة عن أسرته و عن المجتمع الذي يعيش فيه  و يرى" كلوس Clausse  "أن وظيفتها تكمن في " تحويل مجموعة من القيم الجاهزة و المتفق عليها اجتماعيا إلى المنتسبين إليها من طلاب و أطفال و تلاميذ ".
و مما لاشك فيه أن وظيفة المدرسة تطورت من مجرد مؤسسة للتعليم إلى مؤسسة تعليمية تربوية ذات وظائف اجتماعية، فلم تعد مجرد تلقين المعرفة إنما أصبحت وسيلة لتكوين المواطن المنتج بضمان التسوية المهنية، ذلك أن كل مهنة تتطلب جزءا من المعارف  و هذا ما جاء به " مصطفى حداب" لقوله أن للمدرسة وظائف اجتماعية و هي" إنتاج قوى العمل في مختلف التخصصات المستعملة في التطبيقات الاقتصادية و الاجتماعية و توزيع الأفعال الاجتماعية بين مختلف الجماعات المكونة للمجتمع "(9).
إذ تبدأ المدرسة في إبراز أهدافها من خلال العملية التعليمة فهي تعمل على تحقيق :
* إعداد التلميذ تربويا و علميا حتى يكون متمكنا من أصول التربية المنظمة.
* تكوين التلميذ ليكون فردا منسجما في وسطه المدرسي و الاجتماعي .
* توعيته على أن السلوك الديمقراطي التربوي واجب وعليه التحلي به.
* غرس في نفسية الطفل روح المبادرة و التعاون.
* توسيع دائرة معارفه من خلال الرحلات و الأنشطة التطوعية و تنمية قدرته على التفكير ألابتكاري أو الإبداعي .
* تنشئة التلميذ تنشئة اجتماعية و عقلية و وجدانية سليمة مع العمل على غرس مبادئ اللغة العربية و أسس الدين الإسلامي.
* تنمية الحس المدني لدى التلاميذ و تنشئتهم على قيم المواطنة بتلقينهم مبادئ النقاش و الحوار و قبول رأي الأغلبية و يحملهم على نبذ التمييز و العنف و على تفضيل الحوار.
* منح مبادئ العدالة و الإنصاف و تساوي المواطنين في الحقوق و الواجبات والتسامح و احترام الغير و التضامن بين المواطنين.
* منح تربية تنسجم مع حقوق الطفل و حقوق الإنسان و تنمية ثقافة ديمقراطية لدى التلاميذ بإكسابهم مبادئ النقاش.
* توعية الأجيال الصاعدة بأهمية العمل، باعتباره عاملا حاسما من اجل حياة كريمة و لائقة و الحصول على الاستقلالية و باعتباره على الخصوص ثروة دائمة تكفل تعويض نفاذ الموارد الطبيعية و تضمن تنمية دائمة للبلاد.
* إعداد التلاميذ بتلقينهم آداب الحياة الجماعية و جعلهم يدركون أن الحرية و المسؤولية متلازمان.
* تكوين مواطنين قادرين على المبادرة و الإبداع و التكيف و تحمل المسؤولية في حياتهم الشخصية و المدنية و المهنية.
في هذا الإطار تتجسد وظيفة المدرسة إذ تكمن في تمكين الفرد من الخروج عن حدود جماعته الأولية إلى حدود الجماعات الكبيرة و استدخال قيم و قواعد ثقافة هذه المجتمعات و
محاولة التأثير و المشاركة في هذه الجماعات إيجابيا من خلال التركيز على نمو ذكاء الفرد و نمو سلوكه على نحو يجعله فريدا في ذاته مبدعا خلاقا في ثقافته و بيئته و من أهم وظائفها أيضا أن يجد التلميذ الفرص المواتية لتنمية مواهبه و ميولا ته و توجيهها إلى الدراسات أو المهن التي تناسبه، خاصة مع مراعاة الفروق الفردية بين هؤلاء التلاميذ(10).
وللمدرسة ثلاث وظائف رئيسية وهي:

المدرسة أداة استكمال: 

 إذ تقوم المدرسة باستكمال ما بدأته المؤسسات الأخرى من الأعمال التربوية، وعلى رأسها البيت، والمدرسة حريصة على هذا التعاون الوثيق مع البيت، ويتم عن طريق إنشاء مجالس الآباء والمعلمين،ومجالس الأمهات والمعلمات في المدارس الحديثة.

المدرسة أداة تصحيح:  

تقوم المدرسة بتصحيح الأخطاء التربوية التي قد ترتكبها النظم الأخرى في المجتمع،فان كان هناك نقص تلافته،أو كان هناك فرغ ملأته.

المدرسة أداة تنسيق: إذ تقوم بتنسيق الجهود التي تبذلها سائر النظم الاجتماعية في سبيل تربية الأطفال، وتظل على اتصال دائم بها لترشدها إلى أفضل الأساليب التربوية، وتتعاون معها على تنشئة الجيل الجديد أحسن تنشئة(11).
إضافة إلى تنسيق الجهود فيما بين المدرسة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى في تدعيم
وتطوير التربية المدرسية داخل المجتمع لتفعيل دور التربية النظامية التي تحدث في المدارس على اختلاف مستوياتها(12).

المدرسة و صناعة السلوك ألانحرافي:

إن المهام و الواجبات التي تضطلع بها المدرسة يمكن أن تجعل منها مؤسسة وقائية تحمي من خلالها الطفل أو الشاب، فإن دور المدرسة في الحد من السلوك الإجرامي يتمثل في قول العالم  " فيكتور هيجو ":" إن كل مدرسة تفتح أبوابها يقابلها سجن مغلق "، و لكن هذا لا يمنع أن يكون للتعليم أثره العكسي في زيادة معدلات الجريمة، و يكون ذلك من خلال علاقة التلميذ بالأستاذ، و علاقة الطفل بأصدقاء الدراسة.

أولا: علاقة التلميذ بالأستاذ:


بينت الدراسات أن هناك علاقة بين شخصية المعلم أو المدرس و سلوكيات التلميذ في البيئة المدرسية، حيث أنه هناك نوعين من المعلمين و هما المعلم المتسلط و المعلم السريع التهيج الذي يتصرف بطريقة غير لائقة مع التلاميذ الشيء الذي قد يدفعهم إلى ارتكاب السلوك المنحرف.

المعلم المتسلط:


كلما كان النظام الذي يفرضه جافا كلما زاد إعجابا بنفسه، و التلاميذ الذين يتميزون بالفطنة يجدون أنفسهم معارضين لهذا المعلم و موضوعين على الهامش خاصة إذا أدركوا أن موقف معلمهم التسلطي ما هو إلا وسيلة للتعويض و بهذه الوسيلة لا نحصل إلا على نموذج فوضوي في التدريس(13).

المعلم سريع التهيج:


سرعة الغضب عند المعلم تعبر عن سوء التصرف والتكيف، حيث يلجأ المعلم سريع التهيج إلى التهكم على التلاميذ و المبالغة في توبيخهم على أتفه الأسباب أو معاقبتهم بعقوبات غريبة، فالمعلم الذي يصرخ و يشتم و يهدد هو المعلم الذي فشل في الوصول إلى وسائل أخرى لتخفيف الضغط على نفسه، مما يخلق عند التلاميذ العدوان ضد المعلم و ضد الآخرين أو ضد ذواتهم نتيجة سلوكيات المعلم غير السوية.
و يمكن للعقاب الذي يمارسه المعلم سريع التهيج ضد التلاميذ أن يؤدي إلى نتائج سلبية و يكون سببا إلى دفعهم إلى ارتكاب السلوك ألانحرافي، و هذا ما عبر عنه " جون لوك " من خلال أفكاره التربوية بقوله: " إن العقوبات المطبقة في المجال الدراسي ليست فقط غير مثمرة لأنها تُنسى بسرعة، و إنما هي محفوفة بالمخاطر لأنها تدفع الطفل إلى مقت ما يجب أن يحبه "(14).
إن التجارب أثبتت أن  من العوامل التي تبغض المدرسة للتلميذ و تدفعه للتغيب و عدم التكيف مع زملاءه هو الجو الذي يعيشه في المدرسة بصفة عامة و علاقته بمعلمه بصفة خاصة.
إن سوء معاملة المعلم و قسوته قد يجعل من المدرسة مثيرا شرطيا للألم و العقاب و يجد الطفل في الهروب من المدرسة الوسيلة المناسبة لخفض التوتر والقلق و حينها تصبح المدرسة أقل جاذبية لبعض التلاميذ الذين يجدون في البيئة الخارجية للمدرسة أكثر إمتاعا لتحقيق رغباتهم فيهربون إلى المناطق الجاذبة مما يسهل تعرضهم للانحراف و خاصة إذا ما اجتمعوا مع أصدقاء السوء.
و قد تكون لشخصية المعلم دورا بارزا في توجيه التلاميذ الذين يحرصون على تتبع سلوكه، و تصرفاته، فإن كانت شخصية المعلم قوية وسليمة انعكست سماتها الخيرة على التلاميذ، فتمثلوا في سلوكه مما يساعد على إيجاد جيل ناشئ صاح، أما إذا  كانت شخصية المعلم مشوبة بعلل خلقية وانحرافات سلوكية، فذلك سيعود بضرر على التلاميذ(15)،
إن تصرف المعلم بسلوكيات منحرفة في نظر التلاميذ قد تجعل صورته تهتز عندهم و تشوه الصفات المستحبة التي يجب أن تكون متجسدة في تصرفات المعلم إلى جانب تشويه صورة الأب، لأن المدرس بدوره التربوي هو بديل لصورة الأبوين في المدرسة، و في هذه الحالة يتحمل المعلم المسؤولية في ظهور السلوك ألانحرافي عند التلميذ، فالطفل الذي يشاهد معلمه يدخن أمامه قد يلجأ إلى نفس السلوك حسب نظرية التقليد.
إن عدم فهم الأستاذ للتلميذ نفسيا ( قد يعاني التلميذ قلقا نفسيا و توترا أو لا استقرار سببه الأسرة لذلك دور المعلم أو المدرس هو فهم ما الذي يحدث له من أجل تهيئته للتحصيل الدراسي الجيد ) من شأنه خلق فجوات بينه و بين تلامذته،  فبعض التلاميذ يعانون من نقص عقلي و جسدي لذلك على المعلم التعامل مع هذه الحالات بطرقة عادية، مع عدم الكشف والإعلان عن هذه النقائص بل عليه التغاضي عنها مع التشجيع على التغلب عنها، فالتلميذ لا يبالي عادة بما فيه من نقص، و إنما يغضب إذا عير به خاصة أمام الناس، فتحسيسه بعقدة النقص مع رميه ببعض الألقاب من شأنه أن يولد فيه روح الإحباط و الانتقام التي هي وراء جرائم العنف في معظم الأحيان.

ثانيا: علاقة التلميذ بأصدقاء الدراسة:


في المدرسة يلتقي الطفل بعدد كبير من التلاميذ الذين نشئوا في بيئات متباينة متفاوتين في مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية و قدراتهم العقلية و النفسية، لكل منهم سلوك و صفات خاصة به، يمثلون له السلطة التي تجب طاعتها و المثل الذي يفترض التمثيل بها.
فإذا قدر له مصاحبة الأخيار منهم تشرب من فضائلهم و أخلاقهم و كان ذلك فاتحة خير نجاحه في حاضره و مستقبله، أما إذا انقاد لرفقاء السوء من زملاء المدرسة وسار معهم في مسالك الانحراف كان ذلك إيذانا بسوء حاله في حاضره و مستقبله(16).
و نظرا لتوفر مغريات ممتعة ضارة في صحبة الرفقاء السوء، و كان الطفل سريع الاستهواء فإنه يميل إلى مرافقة المنحرفين البارعين في الإقناع، فينساق معهم إلى الهروب من المدرسة و التردد على أماكن الرذيلة و الانحراف، و السقوط في شباك المنحرفين جنسيا أو التورط في ارتكاب جرائم السرقة.
فقد وجد سذرلاند أن هناك تأثير المدرسة في معدلات الجرائم كثيرا و الدليل على ذلك هو أن الهروب من المدرسة و الانحراف يرتبطان ارتباطا وثيقا بالمنطقة و أن الهروب من المدرسة غالبا ما يؤدي بالطفل إلى الانحرافات التي تشمل السرقة.
حيث وجد " سذرلاند " أن نسبة التخلف عن الدراسة بين بعض جماعات الانحراف التي مثلت أمام المحاكم حوالي 60% ، و وجد " فرام " أن 23% من 148 حالة من الأحداث بدءوا انحرافهم بالهروب من المدرسة(17).
و في فرنسا وجد " هوير" في بحوثه حول المجرمين الأحداث أن 65.5%  منهم لم يوفقوا في مشوارهم الدراسي، و في الولايات المتحدة الأمريكية و في البحث  الذي قام  به السيد و السيدة " قلوك " على 1000 طفل منحرف مقارنة بفوج مماثل للمراقبة على غير المنحرفين توصل إلى أن الإخفاق المدرسي يسجل عند المحرفين نسبة واضحة، أما عن أسباب هذا الإخفاق الدراسي فيرجع بالدرجة الأولى إلى الرفقة السيئة لبعض التلاميذ و سوء الانضباط و العصيان على كل ما يرمز إلى النظام المدرسي(18).

تعقيب:

يمكن أن تكون المدرسة مصدرا للسلوك ألانحرافي و الإجرامي بسبب تدخل بعض العوامل الخارجية كالأسرة مثلا، فالأولياء يعلقون آمالا كبيرة على نجاح أبنائهم في الدراسة و خاصة المراهقين منهم الذين يحسون أنهم أصبحوا مقيدين بطموحات أوليائهم، ولما يفشل هؤلاء المراهقين في هذه المهمة يتهجم البعض إلى كل ما يرمز إلى المدرسة من إدارة و معلمين، و في بعض الأحيان يلح بعض الآباء على صيغة مبالغ فيها على نجاح أبناءهم، و في هذه الحالة قد يكون المستوى الدراسي للمراهق أقل مما يتصور آباءهم و الذي بدوره يخلق شعور بالنقص عند المراهق، فيلجأ بدوره إلى سلوكيات منحرفة لإثبات و جوده و قدراته سواء داخل المدرسة أو خارجها مثل التخريب و الاعتداء، أو اللجوء إلى المخدرات و الخمور و العنف أو حتى اللجوء إلى الانتحار، و هنا يظهر أن مسؤولية المدرسة غير مباشرة في انحراف الأطفال.
كما توجد علاقة بين المدرسة والمنطقة التي توجد فيها، فالمدارس التي تقع في المناطق الفقيرة و الأحياء الشعبية التي لا تتوفر فيها شروط الأمن كالحراسة والرقابة والسياج قد يسمح للغرباء الدخول إلى المدرسة خاصة إذا كانوا منحرفين قد يدفعون بعض التلاميذ إلى الانحراف، ففي الأحياء الفقيرة قد تعجز المدرسة على التعامل مع بعض التلاميذ الذين قد يفتقرون إلى الاستعداد الكافي لقبول فكرة التعلم و استيعاب الدراسة و لذلك تنقلب عملية التعلم ذاتها إلى إجراءات تسلطية وممارسات قهرية تجري من جانب واحد دون استجابة الطرف الآخر، و مثل هذا الأمر لاشك يضاعف شعور التلميذ بالرفض و التمرد على كل ما حوله و الثورة على كل ما يصدر عن المدرسة من أنظمة و تعليمات وقواعد(19).

الوقاية والعلاج إزاء إنحرافات البيئية المدرسية:

أولا: حسن اختيار القائمين بإدارة المدرسة و مدرسيها:


حسن اختيار القائمين بإدارة المدرسة و مدرسيها هو الضمانة الكفيلة بانتظام إدارة المدرسة و الحيلولة دون اختلالها و الكفيل أيضا بالتعامل السليم مع تلامذتها و تجنب المعاملة الخاطئة، و حسن الاختيار يقتضي التأكد من كون الذين يتم اختيارهم ذوي شخصيات متزنة و سلوك قويم، متصفين بالهدوء إلى جانب الكفاءة الإدارية لمن يتم اختيارهم للإدارة، و الكفاءة العلمية لمن يتم اختيارهم للتدريس.
كما ينبغي ترتيب دورات لهم لتلقي دروس علمية ونظرية في أصول التدريس وعلم النفس التربوي و طرق معالجة المشكلات المدرسية المحتملة.
و لأهمية الدور الذي تقوم به هذه النخبة المختارة في تربية الأجيال فإنه لابد من توفير جميع مقومات الرعاية المعنوية و المادية المناسبة لهم لتمكينهم من تبوأ المكانة اللائقة في المجتمع و أداء مهامهم على النحو الأفضل.

ثانيا: توفير الخدمة الاجتماعية:


إن انشغال المدرسين و المعلمين بمهامهم التدريسية لا يتيح لهم القيام بالرعاية الاجتماعية لتلاميذهم إلا بقدر محدود، كذلك لا يتسنى للقائمين بإدارة المدرسة سوى القيام بجزء من هذه الرعاية إلى جانب أداء مهامهم الإدارية لهذا ظهرت الحاجة إلى وجود جهاز خاص للخدمة الاجتماعية في كل مدرسة و هذا لمساعدة التلاميذ على حل مشكلاتهم المختلفة و محاولة الملائمة بين التلميذ و مدرسته و بيئته و تشجيع المعلمين على اكتشاف التلاميذ ذوي المشكلات و العمل على حلها، و كذا العمل على توطيد العلاقة بين المدرسة و الأسرة و بحث الشؤون المتعلقة بأبنائهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سهير كامل أحمد، شحاته سليمان محمد، تنشئة الطفل وحاجاته بين النظرية والتطبيق، مركز الإسكندرية للكتاب، القاهرة، 2006، ص 35.
2) صلاح الدين شروخ:علم الاجتماع التربوي، دار العلوم للنشر والتوزيع،عنابة، 2004، ص72.
3) رفيقة حروش: إدارة المدارس الابتدائية الجزائرية، دار الخلدونية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2010، ص55.
4) علي اسعد وطفة، علي جاسم الشهاب: علم الاجتماع المدرسي بنيوية الظاهرة المدرسية ووظيفتها (1)
الاجتماعية، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر والتوزيع، 2004، ص21.
5) حميد حملاوي: التنشئة الاجتماعية للطفل في الوسط التربوي، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، خدمة اجتماعية، جامعة 8ماي 1945 قالمة، جانفي 2010، ص115.
6) محمد الشبيني: أصول التربية الاجتماعية والثقافية والفلسفية، رؤية حديثة للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة،
دار الفكر العربي، القاهرة، 2000، ص 176.
7) فايز محمد الحديدي: ثقافة تربوية، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان،2007، ص 49.
8) علي أسعد وطفة، علي جاسم الشهاب، علم الاجتماع المدرسي : بنيوية الظاهرة و وظيفتها الاجتماعية، ط 1، المؤسسة
الجامعية للدراسات، لبنان، 2004 ، ص 33.
9) Mustapha Haddab,éducation et changement socioculturel, OPU, Alger, 1979,p01.
10) محمد حسن غانم، هروب التلميذ من المدرسة وكيف نواجهه، المكتبة المصرية للطباعة و النشر، الإسكندرية، 2006 ، ص 11.
11) عبد االله رشدان: علم الاجتماع التربية، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 2008، ص ص128-127.
12) محمد محمود الخوالدة: مقدمة في التربية، ط2، ندار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، 2010،
ص102.
13) ناصر الدين زيدي: سيكولوجية المدرس، دراسة وصفية تحليلية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2007، ص 222.
14) جون لوك، في شكور وديع جليل: العنف والجريمة، الجدار العربية للعلوم، بيروت، 1997، ص 94.
15) نشأت إكرام إبراهيم: علم الاجتماع الجنائي، دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان، الأردن، 2009، ص 77.
16) نشأت إكرام، مرجع سبق ذكره، ص 80.
17) أدوين ه. سذرلاند و رونالد كريستي: مبادئ علم الإجرام، ترجمة، محمد السباعي و حسن صادق المرصفاوي، مكتبة الأنجلوا مصرية، مصر، 1968، ص 262.
18) مكي دردوس: الموجز في علم الإجرام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2006، ص205.
19) عدنان الدوري: جناح الأحداث، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 1985، ص 270.


 
Top