تعددت الآراء و تباينت
الاتجاهات بين علماء النفس في تحديدهم لمفهوم الجريمة، و يرجع ذلك إلى طبيعة التوجهات
التي يعتقد فيها كل باحث و إلى نظرتهم لطبيعة السلوك البشري، و بالرغم من هذا الاختلاف
إلا أن علماء النفس ينطلقون من فكرة واحدة و هي أن الظاهرة الإجرامية ليست ظاهرة اجتماعية
خالصة، أو مادية خالصة، أو قانونية خالصة، بل هي فعل إنساني يقوم به الفرد و يتحمل
عواقب هذا الفعل إذا توافرت الإرادة و الحرية و الاختيار.
لقد نظر علماء
النفس إلى السلوك الإجرامي من جانبين مختلفين، فمن جانب أول يرون أن هذا السلوك
المعادي هو غريزي يهدف إلى إشباع غريزة إنسانية، وصادف هذا الإشباع خلل كمي أو شذوذ
كيفي في هذه الغريزة انهارت معه الغرائز السامية والخشية من القانون، وهو مزود بنوازع
وغرائز تشتد عند البعض وتقل عند الآخرين فقد يؤدي اشتدادها إلى الخروج على المجتمع
والذي يكون لدى الصغار ما يسمى بالجنح وعند الكبار ما يسمى بالجريمة .
أما من الجانب الآخر فهم يرون أن السلوك
المعادي هو فعل
لا إرادي ناتج عن صراعات نفسية تحدثها مكبوتات اللاشعور، و بالتالي هي انعكاس لما تحتويه
شخصية الفرد من مرض نفسي، يعبر عن صراعات انفعالية لاشعورية ولا يعرف الفرد صلتها بالأعراض
التي يعاني منها.
و يرى " برت
" أن التصرفات الإجرامية ما هي في آخر الأمر إلا انطلاق للدوافع الغريزية
انطلاقا حرا لا يعوقه عائق، و يرى أنه من الممكن النضر إلى أنواع الانحراف
المختلفة كالسرقة و الاعتداء و الاغتصاب و الجرائم النفسية و غيرها عل أنها
تعبيرات لغرائز معينة(1).
و ينظر "
ألكسندر " إلى السلوك الإجرامي على أنه يكون نتيجة للاضطراب في قوى شخصيته
الثلاث " الهو، الذات، الذات العليا "، في تكيفها مع القانون الأخلاقي
السائد في المجتمع، كما يرى أن الاضطراب في البيئة يكون بمثابة عوامل لخلق الشخصية
الاجتماعية، ومن ثم فالبيئات الإجرامية تنتج أكثر المجرمين أي أنها يكون بمثابة
معامل لتفريخ المجرمين(2).
بعض تعاريف علم النفس تمزج بين المفهوم النفسي
والقانوني للجريمة، ومن قبل ذلك تعريف يقول: " الجريمة فعل إنساني يسأل الفرد
عنه و يتحمل عواقبه، إذا توافرت الإرادة و الحرية و الاختيار، و مما يلاظ على
التعاريف النفسية للجريمة أنها تركز على الحالة الصحية للنفس و العقل لدى الشخص
وقت ارتكابه للفعل، و هي أمور تتطلب فحصا علميا متخصصا في الطب و العلاج النفسي و
الطب العقلي لإثبات إعتلال الصحة النفسية من عدمه قبل المحاكمة ".
كذلك فقد عنى علماء النفس بتفصيل العناصر
الداخلة في الدائرة الفكرية أو الدائرة الشعورية أو في الدائرة الإرادية من النفس
الإنسانية.
- و من العيوب
التي تشوب الدائرة الفكرية أو النفسية أو الذهنية، وجود خلل في ملكة الوعي و
الإدراك من أمثلته التوهم، أو إفراط غير عادي في دائرة الإدراك، أو اضطراب في ملكة
الحكم على الأمور أو ملكة الاستنتاج، أو ملكة التوتر، أو الإفراط في التخيل البعيد
عن الواقع(3).
و بصورة عامة، يذهب
التحليليون إلى اعتبار السلوك الإجرامي على أنه سلوك معاد للمجتمع و هو و لا شك كأي
نوع من أنواع السلوك الشاذ أو غير السوي و لذلك فإن الشخص المجرم لا يختلف عن الشخص
المريض الذي يأتي بالسلوك الشاذ(4).
فالسلوك الإجرامي
ما هو إلا نوع من السلوك الشاذ المرضي الذي يحتاج إلى العلاج كما تحتاج الأمراض العقلية
إلى العلاج و الوقاية. و أن كل فعل إجرامي ما هو إلا تعبير عن صراعات نفسية تدفع صاحبها
إلى الوقوع في الجريمة.
وعلى العموم ‚ يمكن تعريف الجريمة
من الناحية النفسية على أنها إشباع لغريزة إنسانية بطريق شاذة لا يتبعه الرجل العادي
في إرضاء الغريزة ذاتها و ذلك لأحوال نفسية شاذة انتابت مرتكبي الجريمة في لحظة ارتكابها
بالذات.
1)
جلال عبد
الخالق و السي رمضان: الجريمة و الانحراف من منظور الخدمة الاجتماعية،
الاسكندرية، 1994، ص181.
2) / نفس المرجع، ص 182.
3)
د.حسين
عبد الحميد أحمد رشوان: علم الاجتماع الجنائي، المكتب الجامعي الحديث،
الاسكندرية، 2005، ص 8-9.
4) / د. سلوى عثمان
صديقي و د. جلال الدين عبد الخالق: انحراف الصغار و جرائم الكبار، المكتب
الجامعي الحديث، الاسكندرية، 2002، ص235-236.