يستهدف علم الاجتماع الحصول على المعلومات و الوقائع، و الظواهر، و الأنماط الاجتماعية، و دراستها دراسة تحليلية وصفية و تفسيرية وعلمية صحيحة بقصد اكتشاف القواعد و القوانين التي تخضع لها هذه الظواهر في نشأتها و تطورها و واقعها الحالي، و التي يمكن الاعتماد عليها في الكشف عن الظواهر الاجتماعية، و تنبؤها بما سيحدث في المستقبل.(1).
أما علم الاجتماع الجنائي، فهو فرع من فروع علم الاجتماع يهتم بدراسة العوامل و الظروف الاجتماعية التي تصاحب الجريمة.
فالجريمة ظاهرة اجتماعية ظهرت في كافة المجتمعات، و على مر العصور، و أصابت كل مجتمع متقدم أو متأخر، فهي مشكلة لا وجود لها إلا في المجتمع، و ينطبق شروط الظاهرة الاجتماعية على الظاهرة الاجرامية الانحرافية، فهذه الأخيرة تختلف من مجتمع الى آخر، كما تختلف في نفس المجتمع من زمان الى زمان.
إن المراهق من الجزائر الذي يقتل أخاه دفاعا عن شرفه أو أخذا بالثأر يرتاح ضميره و يباركه أهله بصرف النظر عن حكم القانون.
و لكن الامر ليس كذلك في باقي الدول العربية أو في المجتمع الأمريكي أو الأوربي.
قد تتعدد تعاريف علم الاجتماع الجنائي أو تختلف في مضمونها ورغم ذلك فإنها تحتوي جميعها على قدر من الصدق، إلا أن أبسط هذه التعاريف التي يمكن أن تساق لعلم الاجتماع الجنائي يتمثل في اعتباره فرعا من فروع علم الاجتماع، و أنه بذلك تطبيق لنظرية علم الاجتماع ومنهجه في ميدان الانحراف و الجريمة.
و بذلك يتسع فهمنا للظاهرة الانحرافية و ظاهرة الجريمة في ضوء الفهم السوسيولوجي للظاهرة الاجتماعية ويصبح متناولنا لها قائما على هذا الفهم الاجتماعي الذي يعتبرها ضمن الظواهر الاجتماعية، و أنها ليست ظاهرة شاذة في المجتمع، و أن شذوذها يرتبط بمدى تكرار حدوثها و الخطر المترتب عليها في المجتمع.(2).
و هنا تثار قضية العلاقة بين علم الاجتماع و الانحراف و الجريمة، إذ أن علم الاجتماع يهتم بتناول الظواهر الاجتماعية، و طالما أن الجريمة ضمن الظواهر الاجتماعية فإنها تدرج ضمن موضوعه الذي نتناوله بالبحث و الدراسة، كما أن الرؤيا النظرية لعلم الاجتماع الجنائي مرتبطة أساسا بالنظرية السوسيولوجية و أبعادها الأساسية، و هذا فضلا عن الارتباط الوثيق بين مناهج علم الاجتماع ومناهج البحث في علم الاجتماع الجنائي.
و نفهم من وراء هذا أن علم الاجتماع الجنائي هو فرع من فروع علم الاجتماع العام، يتخذ موضوع للدراسة كل من الجريمة و الانحراف، و كذلك يخضع بدوره كباقي فروع علم الاجتماع الأخرى الى المنهجية المتبعة في الدراسة السوسيولوجية، انطلاقا من شيئية الظاهرة الاجرامية – إمكانية اخضاعها للمنهج التجريبي بكل مقوماته الى الوصول الى القدرة على التنبؤ بمستقبلها – أي بحجمها، و مدى تكرار حدوثها و ما يمكن أن ينتج من مخاطر من وراء انتشارها.
تعتبر دراسة الجريمة و الانحراف من الميادين المعقدة و المراوغة في علم الاجتماع المعاصر، فهذا الميدان على الصعيد الفردي، قد يشعر الواحد منا بأنه غير " عادي " أو " غير سوي " في كثير من الأحيان، كما أنه يساعدنا على فهم مواقف الآخرين و سلوكهم، أفرادا و جماعات و مؤسسات من ناحية كونه تصرفا عقلانيا رشيدا أو غريبا أو مستهجنا أو خطرا على السواء.(3).
و يمكن تعريف الانحراف و الجريمة بصورة عامة بأنه يمثل " عدم الامتثال " أو " عدم الانصياع " لمجموعة من المعايير المقبولة لدى قطاع مهم من الناس في الجماعة أو المجتمع، و لا يمكن على هذا أن نضع خطا واضحا وفاصلا في أي مجتمع بين المنحرفين من جهة و الممتثلين من جهة أخرى، و لا يمكننا أن نضع على المساواة تصرفات مثل المعاكسة بالهاتف، و نشل محفظة أو حقيبة في الشارع، و سرقة قلم من ممتلكات مؤسسة ما، أو قيادة السيارة بسرعة فائقة وسط المدينة أو الاعتداء بآلة حادة، و ينبغي الاشارة الى أن مفهوم الانحراف و الجريمة ليسا مترادفين و مطابقين في المعنى و الأثر و النتائج رغم أنهما قد يكونان مترابطين و متداخلين أحيانا.
و من هنا فإن القانون ولا سيما القانون الجنائي قد لا يطبق على كثير من حالات الانحراف، و على هذا الأساس فإن علم الاجتماع الانحراف يستفيد مما يسمى بالدراسات و البحوث الجنائية، غير أنه يتجاوز ذلك الى استقصاء أنماط السلوك التي تقع خارج القانون الجنائي، و يدرس أنماط معينة من المواقف و التصرفات التي يقوم بها أفراد أو مجموعات أو ثقافات فردية في المجتمع، بمقارنتها مع ما يمارسه أشخاص أو مجموعات أخرى، و تفسير الأسباب التي تدعو الى وصف أنماط معينة بالانحراف أو بالالتزام بمعايير متعارف عليها.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01 / د.حسين عبد الحميد أخمد رشوان: علم الاجتماع الجنائي، ص 1.
02 / د.علي شتا: علم الاجتماع الجنائي، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1987، ص 6.

03 / أنتوني غدنز: علم الاجتماع، ترجمة وتقديم د. فايز الصياغ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،2005،ص279-280.
 
Top